الذي أرى في هذا أن فرج قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغسله وهو يرى ذلك تثبيت له - صلى الله عليه وسلم -، وتثبيت عنده أن قلبه الكريم لا ينزغ فيه شيطان أبدًا، وإنه محفوظ معصوم لا يقربه شيطان في قلبه وفي سره، ليكون على يقين من خواطره أنها حق وصدق لا يتمارى فيها ولا يتردد، ويصدق هذا قوله سبحانه:{وما ينطق عن الهوى}.
* وقوله (بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا فأفرغها في صدري) فيه من الفقه أنه قال بطست من ذهب، والإشارة بذلك إلى أن الذهب لا يصدأ فلا يخالط ما يلقى فيه بشيء من صدئه، وكونه أيضًا استعمل الذهب في حقه مع أنه نهى عن استعمال آنية الذهب لأن ذلك الطست الذي جاء به جبريل ليس من ذهب الدنيا الذي تناوله التحريم، بل هو من عطاء الله وإنعامه المستثنى فلا يتناوله تحريم. كما قال عز وجل:{يحلون فيها من أساور من ذهب}.
* وقوله:(مملوءة حكمة وإيمانًا) يعني به - صلى الله عليه وسلم - أن الحكمة إذا قرن بها الإيمان كانت النافعة احترازًا ممن قد (١٦٧/ أ) كان يلقى الحكمة من الأوائل خالية عن إيمان فلم تنزل ولم تنفع.
* وقوله:(فأفرغها) ولم يقل (فأفرغهما) وذلك أن الحكمة امتزج بها الإيمان في كل جزء من أجزائها فاتحدت فلم تقبل التثنية، ويجوز أن يكون الضمير عائدًا إلى الطست.
* وقوله:(فأخذ بيدي فعرج إلى السماء) فيه من الفقه أن السماء جهة للخلق إلى الله تعالى، وأن الله مستو على عرشه، وأن العرش فوق السموات السبع. وأن العروج به في ذلك الوقت بعد غسل قلبه، وصب الحكمة الممزوجة بالإيمان فيه، وصعوده إلى السماء السابعة وإتيانه إلى سدرة المنتهى، ولقاءه الأنبياء