للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقام لو قال المؤمن إلهي، وسيدي، ومولاي كيف لي بأن ترضى عني؟ بماذا أتقرب يا من له كل شيء؟ ماذا يعمل من ليس له شيء؟ أنت الغني وحدك، لا يتصور النفع والضر إلا منك، والحمد كله والملك لك، لا آمن إليك إلا بسواق اختيارك في وموضع أثارك مني، ولا أدلي بمثل أن جملتي تشهد لك وتفاصيلي تسبح بحمدك فإن فتر لساني عن الشهادة بوحدانيتك والتسبيح لك فإن ذراتي وأجزائي كلها ناطقة بلسان حالها لك، لا إله إلا أنت سبحانك (١٨٠/ أ) وتعاليت، فأنا بعض دلائلك، ومن جملة الشهود على ربوبيتك، فالانتفاع والاستضرار لائقان مناسبان لحالي وأما خالق النفع والضر فتعالى علوًا كبيرًا.

* وقوله: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا) في هذا ما يدل على أن تقوى المتقين رحمة من الله تعالى لهم، ولمن بعدهم ودونهم، وأنه لا يقدر المتقون أن يزيدوا في ملك الله شيئًا كما أنه لا يقدر الفجار أن ينقصوا من ملك الله تعالى شيئًا، ولكن تقوى المتقين وفجور الفاجرين سعادة وشقاوة.

* وقوله: (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد) في هذا التنبيه للخلق على أن يعظموا المسألة، ويوسعوا الطلب، ولا يقتصر طالب ولا يختصر سائل، فإن ما عند الله لا ينقص.

* وقوله: (كما ينقص المخيط إذا دخل البحر) هذه إشارة إلى النعمة المخلوقة فهي تنقص كما ينقص المخيط من البحر إذا أدخل فيه، وإنما أراد بهذا تجزئة السؤال وتشجيعهم على إيساع الطلب حتى لا يظن منهم ظان أن ما عند الله تعالى يغيضه الإنفاق فيتوهم الجاهل أن طلابه وإن اتسع ربما يصادف غورا وقد تعالى الله عز وجل عن ذلك، فإن ما عند الله تعالى لا يغيض.

* وقوله: (إنما هي أعمالكم) ذكر سبحانه هذا بعد أن عدد ما عدده من نعمه وشرحه من فيض كرمه، ثم إنه سبحانه وتعالى بعد ذلك أوضح لنا أن أعمالنا هي التي تعرض علينا، فمن وجد منا خيرًا فليحمد الله تعالى على توفيقه، ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>