للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وفيه أيضًا من الفقه حسن السؤال، فإن السائل إذا سأل عن أصل فأجاب المسؤول بأصل غير المسؤول عنه، فإن السائل المتأدب لا يبدؤه بالقطع عليه، ولكن يتركه حتى يتم حديثه فيستفيده غيره وينتفع به من سمعه.

* وفيه أيضًا (١٨٦/ أ) من الفقه أن عمر سكت له حتى انتهى كلامه ثم قال له: (ليس هذا أريد) ولم يقل له ليس هذا أردت، فيجوز أن يكون معنى كلامه ليس هذا أريد بعد أن سمعت ذلك الأول.

* وقوله (إنما أريد التي تموج موج البحر) التي ها هنا اسم موصول وهي صفة لموصوف محذوف وهو ذكر الفتنة التي تقدم ذكرها.

* وقوله (تموج موج البحر) أي موج خطر، لأن البحر موجه مغرق مهلك لسعة سواحله واشتداد الريح في أرجائه، وغمورة مائه، وبعد قعره، فشبه عمر رضي الله عنه الإسلام بالبحر إذا قعد هو منه وكانت موجاته متفرقة مهلكة. فقال له حذيفة: (مالك ولها) يعني ما سؤالك عنها؟ أي مالك ونبش ذكرها؟ إن بينك وبينها بابًا مغلقًا.

* وفيه أيضًا من الفقه أن المسألة إذا كانت تتعلق بذكر فتنة أو خبر ملحمة فإنه يشار فيها بالإشارة والرمز، ألا ترى إلى قول عمر لما قال له حذيفة: (إن بينك وبينها بابًا مغلقًا) قال له أيكسر الباب أم يفتح؟ وإنما فهم من قول حذيفة ما فهم بقوله بينك وبينها، يعني أنها لا تكون في زمانك، فلما قال بابًا مغلقًا، يعني أن الأمر أغلق بك، ففهم عمر وسأله عن الباب وهل يكون فتحه بالموت على معنى فتح باب الروح أم يكسر، ومعنى الفتح أنه يفتح الغلق من حيث أغلق مع سلامة الباب، وبالكسر ينهدم الجثمان في غير موضع الغلق، فكأنه استفسره عن موته أو شهادته فقال له: يكسر، فعرف أنها الشهادة، ثم قال ذلك أحرى أن لا يغلق أبدًا، يعني إذا كان هذا في زمان الباب فيه من حديد وقد كسر، فكيف به إذا كان من جنس هو دون ذلك في الصلابة، وعرف عمر رضي الله عنه أن وقته خير الأوقات التي تأتي بعده، فإذا كان فيها الباب الحديد يكسر عن ذخائر الدين ويهجم عليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>