* في هذا الحديث من الفقه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحدث مسئولًا وتحدث مبتدئًا. وقوله:(حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين) يعني حديثًا واحدًا يشتمل على أمرين: ماض، ومستقبل.
* وقوله:(قد رأيت أحدهما). وهو قوله أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال. قال أبو عبيد: والجذر الأصل من كل شيء. ويقال:(بفتح الجيم وكسرها). وقال يحيى بن محمد رضي الله عنه: وكذلك جذر الحساب فإنه أصله، نحو اثنين فإنها جذر لأربعة وثلاثة جذر لتسعة، والأربعة جذر لستة عشر والخمسة جذر لخمسة وعشرين، وكل عدد ضربته في نفسه فارتفع منه عدد سمي المرتفع مآلًا، وسمي ذلك العدد المضروب جذرًا وما اصطلح أرباب الحساب على تسميته الجذر إلا لأن الجذر هو الأصل.
* وهذا الحديث يدل على أن الله عز وجل أنزل الأمانة (١٨٩/ أ) في أصل قلوب الرجال ثم أنزل القرآن ليصادف نزول القرآن قلوبًا قد سبقت إليها الأمانة؛ لأن قلوب الرجال للقرآن مصاحف أمانات، فلما سبقت إليها الأمانة صلحت حينئذ أن تستودع القرآن، وأن يصير أهلها حملة له مبلغين ما نزل منه.
* وقوله:(فعلموا من القرآن وعملوا من السنة) ويعني هذا أن القرآن والسنة من أشد الأمانة وأكملها لأن المستودع للقرآن والمستودع للسنة أمين الخلائق إلى يوم القيامة فهو مستودع ما يحقن به الدماء أو تسفك، وتصان الفروج أو تستباح، وتعصم الدماء أو تزال عنها العصمة.
* ويدل على هذا أيضًا أنك إذا ائتمنت على القرآن والسنة فبالحري أن تؤتمن على ما دون ذلك.
* وقوله:(حدثنا عن رفع الأمانة). لما كانت الأمانة في قلوب الرجال مختلفة الأسباب كان كل ما كان منها لله سبحانه خالصًا فهو الذي يرتفع، وكل ما كان منها لغير الله فهو الذي يرتفع بارتفاع سببه، فمن كان أداؤه للأمانة بين الناس ليأتمنه الناس فذلك الذي إذا زال الناس الذين كان يؤدي الأمانة لأجلهم انقطع