كان فيه كالوكيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يخطئ هو بكمال ثوابه، وينقص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عشرة أضعاف إلى ضعف واحد، وذلك أن المتصدق الأول يكتب له الدرهم بعشرة، فإذا تصدق الثاني انتقلت رتبة العشرة إلى الثاني، وانتقلت العشرة مضروبة في نفسها فصارت للمتصدق الأول، لأن الأصل منه وفرع العشرة انتقل إلى غيره، ولو تصدق بها الذي تصدق عليه عمر لكان لذلك الإنسان العشرة ولعمر مائة، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف، وعلى ذلك ما زاد، وهذا من قوله سبحانه وتعالى:{فيضاعفه له أضعافا كثيرة}، وكثيرة ههنا نكرة، والنكرة في هذا الموضع أعم من المعرفة.
* وفي هذا الحديث من الفقه قوله في الرواية الأخرى:(فتموله وتصدق به) وذلك دليل على أنه لم يعزم عليه في الصدقة به؛ لأنه ربما يكون في نفسه محتاجا إليه.
* وفي هذا الحديث من الفقه أن العبد المؤمن كما ينبغي أن لا يكون مشرفا، ولا متطلعا إلى شيء من الدنيا، كذلك ينبغي أن لا يكون مزاحما لله تعالى في تدبيره، ولا رادا على (٢٦/ ب) الله شيئا من عطائه، ولا مظهرا للتغاني عن الله عز وجل بمال ولا بحال، كما روي عن عبد الله بن عمر أنه كان لا يسأل أحدا شيئا، وإذا أعطي شيئا أخذه.
* وفي هذا الحديث من الفقه أيضا أن ابن السعدي لما استعمله عمر وأعطاه العمالة، فرد ذلك فأخبره عمر أنه رد كما رد، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال له؛ أن ذلك في العمالة على الصدقة؛ فيه زيادة توكيد لتبعد عنه التهمة، وليكون مستعينا به على نفسه كي لا يضجر في وقت ما إذا استمر لها العمل بغير أجرة، لأنه قد لا يستمر الصفاء للإنسان في الأحوال كلها، فالحازم يتخذ في أوقات الصفا عدة لمرافعة الكدر، ثم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فكل وتصدق) دليل على إباحة