من اللّفظين، وتفرّقُ بين الأَحمر والأبيض بحاسَّة البصرِ، وبين الحارِّ والباردِ والناعمِ والخشنِ باللّمسِ، وبين الحلوِ والمرِّ بالذَّوق، وبين الريحة الطَّيبةِ والخَبِيثةِ بالشمِّ، والإِعرابُ من قبيلِ ما يعرفُ بحاسّة السَّمع، ألا تَرى أنّك إذا قلت لإِنسان: افرقْ لي بين الفاعلِ والمفعولِ والمضافِ إليه في نحو قولك: ((ضربَ زيدٌ غلامَ عمروٍ)) فإنّه إذا ضمّ واحدًا وفتحَ ثانيًا وكسرَ ثالثًا حصلَ لك الفَرقُ بألفاظه، لا من طريق المعنى، فإنّك أنت قد تُدرك هذا المعنى بغيرِ لفظٍ، فدلّ أنّ الإِعرابَ هو لفظُ الحركة.
وأمّا ما أُعرب بالحروفِ فهو حاصل من اللّفظ أيضًا، لأنّ الحرفَ لفظٌ، كما أنّ الحركةَ لفظٌ. وأمّا كونُ الحركةِ في المبنى فلا يمنع أن يكون إعرابًا في المُعرب، ويكون الفَرقُ بينهما أنَّ حركةَ الإِعراب ناشئةٌ عن عامل فهي حركةٌ مخصوصةٌ وحركةُ المبني ليست مخصوصة بعامل، وأمّا إضافة الحركة إلى الإِعراب فلا يدلّ على أنَّهما غَيْرَانِ، بل هو من قبيلِ إضافة النّوع إلى الجنس وهذا كما تقول رفعُ الإِعراب ونصبه وجرّه، فتضيف الرفع إلى الإِعراب وهو نوع منه يدلّ على ذلك أنّ الرّفع إعراب بلا خلاف، وكذلك النّصب والجرّ، معلوم أنّ حقيقةَ الرَّفعِ هو الضَّمَّةُ الناشئةُ عن عامل قد لزم أن يكون الإِعراب لفظًا. والله أعلم بالصوّاب.