ذكر أبو بكر رضي الله عنه المقومات الجسمية والعقلية والعلمية التي يتميز بها زيد بن ثابت رضي الله عنه لأجل أن يضطلع بهذه المهمة، فالشباب له أثره في الحيوية والنشاط، والعقل له دوره في رجحان العمل وصلاحه، وكتابته للوحي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لها أثرها في قدرة زيد على معرفة القرآن، وتحقيق نصه بما عند الصحابة من آيات مكتوبة.
ويلاحظ أن أبا بكر رضي الله عنه لم يذكر كونه حضر العرضة الأخيرة، لكنه ذكر ما كان يتميز به من كتابة الوحي، بل كان من أخص الصحابة به.
٣ - مصادر زيد في الجمع:
«فقمت، فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع، والأكتاف، والعسب، وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري، لم أجدهما مع أحد غيره {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} ...} [التوبة: ١٢٨] إلى آخرهما».
ملامح هذا الجمع:
١ - أن القصد منه جمع المكتوب المتفرق من القرآن في مصحفٍ واحدٍ.
٢ - أن سبب الجمع يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، والمجموع لن يكون سوى ما ثبتت قرآنيته.
ويؤنس بهذا كون زيدٍ رضي الله عنه هو المسؤول عن هذا الجمع، وهو من أعلم الصحابة بالعرضة الأخيرة، فلأن يكون القصد جمع القرآن الثابت، أقرب من أن يكون جمع كل ما قرئ بين يدي الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه لو جُمع كل ما قرئ بين يديه لدخل ما تُرِكت تلاوته.
٣ - أن كثيراً من التفاصيل المتعلقة بطريقة كتابة المصحف، وما فيه من معلومات لم يرد فيها شيء، وما يحكيه العلماء من بعض هذه التفاصيل، فإنه لم يثبت فيها نص صريح البتة؛ كمن يحكي أن في ترتيب السور خلافاً.