أما الجمع في الصدور، فهو تيسير حفظه للمسلمين، فتراهم في شتى بقاع الأرض يترنَّمون بهذا القرآن حفظاً، وبعضهم لا يكاد يعرف العربية لا قراءة ولا كتابة، وتلك مزية لا تجدها لغير القرآن.
وموضوع حفظه في الصدور من الوضوح بمكان، لذا لا يحتاج الأمر إلى كثير تقرير له، ولقد نصَّت آياتٌ على تيسير هذا الأمر على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن ثمَّ على أمته التي ستحمل عنه هذا الكتاب الكريم، ومن ذلك قوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى *إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى}[الأعلى: ٦ - ٧]، وقوله تعالى:{لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ *إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ *فَإِذَا قَرَانَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ *ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}[القيامة: ١٦ - ١٩].
وأخرج البخاري بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعالج من التنْزيل شدة وكان مما يحرك شفتيه ـ فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحركهما ـ وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما فحرك شفتيه ـ فأنزل الله تعالى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ *إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}. قال: جمعه في صدرك وتقرأه، {فَإِذَا قَرَانَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}. قال: فاستمع له وأنصت، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}. ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلّى الله عليه وسلّم كما قرأه»(١).
(١) (يعالج) من المعالجة وهي محاولة الشيء بمشقة. (التنزيل) تنزيل القرآن عليه. (وكان =