إن عناية علماء الأمة بضبط المصحف عناية مشهودة، وجهودهم في ذلك كبيرة جدّاً، وهذا الموضوع من الموضوعات التي تخفى على كثير من المتخصصين في الدراسات القرآنية، وأَولَى من يحسن به الاعتناء بهذا الموضوع الذين تصدوا لتدريس القرآن؛ لأن معرفة الضبط معينة على معرفة الأداء في علم التجويد كما سيظهر من دراسة هذا الموضوع.
وإليك تفصيل ما يتعلق بضبط المصحف من جهة النقط.
أولاً: نقط أبي الأسود الدؤلي (ت٦٧ أو ٦٩هـ).
استقر أمر المصاحف على ما كان من رسم الصحابة في عهد عثمان رضي الله عنه، ولم يكن فيها إلا رسم الكلمة فقط، ثم بدأ الخلل يطرأ على لغة العرب بدخول العجم فيها، وقد ظهرت بداية اللحن في جيل الصحابة، فظهرت الحاجة إلى ضبط اللسان العربي، وأغلب الروايات تشير إلى أن مبتكر ذلك هو أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي (ت٦٧، وقيل: ٦٩هـ)، كما أنه هو أول من نقط المصاحف (١)، ثم صار للضبط مراحل تطور، وكان للعلماء في اصطلاحاته أكثر من طريقة، وقد أخذ العلماء ببعضها وتركوا بعضها الآخر حتى صار إلى ما تراه اليوم.
(١) إن الحديث عن أولية من نقط، وأنواع النقط التي حصلت يكتنفها غموض في الروايات، مما جعل بعض العلماء ينص على أن أول من نقط المصحف نصر بن عاصم، وآخرون قالوا: يحيى بن يعمر، وهما تلميذان لأبي الأسود، لكن يظهر والله أعلم أن مصطلح النقط يختلف، وتحرير الأولية بحث تاريخيٌّ له ثمرة في معرفة ما دخل على المصحف بعد رسم الصحابة، وكيف استقرَّ الأمر عند علماء الأمة بعد ذلك، والله الموفق.