للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووقفه صحيح بلا ريب، لكن ابتداءه غلط واضحٌ، إذ فيه إخلال بنظم القرآن من جهات:

الأولى: أنَّ قوله: {ذُو الْعَرْشِ} انقطع عما بعده، فهل يُجيز هذا القارئ الوقف على {ذُو الْعَرْشِ}، ولَمَّا يتمَّ الكلام؟!

الثانية: لَمَّا كان قوله: {الْمَجِيدُ} خبراً بعد خبر {ذُو الْعَرْشِ} (على قراءة الرفع)، فكيف يمكن أن يكون خبراً ومبتدءاً في الوقت نفسه؛ لأنه بقراءته {الْمَجِيدُ} {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} صار {الْمَجِيدُ} مبتدءاً، وقوله {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} خبر المبتدأ.

وفي هذا تقطيع للكلام كما تلاحظ، وهو مما يعاب في الكلام المعتاد، فكيف بمن زعمه في كلام الله تعالى.

الثالثة: عدم الاعتبار برأس الآية، وفي ذلك عيب ظاهر، إذ ما قيمة رأس الآية إن لم تكن وُضِعَتْ للتنبيه على الوقوف عليها، كما أنه لم يرد في السنة ولا في عمل الصحابة ما يشير إلى ترك الوقوف على رؤوس الآي، فبقي الأمر على الأصل، وهو أن تكون رؤوس الآي مقصودات للوقف عليهن، وأنهنَّ يدخلن في بلاغة القرآن وتأثيراته الصوتية والأدائية.

وقد أشار إلى الاعتبار بالوقوف على رؤوس الآي الطاهر بن عاشور (ت١٣٩٣هـ)، والاعتداد بها من جهة نظم القرآن، فقال: «... فأما التحدي بعجز بلغائهم عن معارضته فأمر يرتبط بما فيه من الخصوصيات البلاغية التي لا يستوي في القدرة عليها جميعهم بل خاصة بلغائهم من خطباء وشعراء وكان من جملة طرق الإعجاز ما يرجع إلى محسنات الكلام من فن البديع، ومن ذلك فواصل الآيات التي هي شبه قوافي الشعر وأسجاع النثر، وهي مراده في نظم القرآن لا محالة؛ كما قدَّمناه عند الكلام على آيات القرآن، فكان عدم الوقف عليها تفريطاً في الغرض المقصود منها ... فكان الاعتبار بفواصله التي هي مقاطع آياته عندهم أهم لأن عجز قادتهم وأولي البلاغة والرأي منهم تقوم به الحجة عليهم وعلى دهمائهم.

<<  <   >  >>