للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

فكتاب من هذا الطراز حقيق أن يجعل أنموذجا في بابه، ومثلا سائرا في تخصصه، والله أعلم، ولهذا تم اختياره للنظر في صنيعه، ثم محاولة الاستفادة من ذلك لدى المعاصرين.

وهذا أوان الشروع في المقصود، ولنبدأ بتعريف السبر من حيث اللغة، والاصطلاح، ثم بيان قوامه، وإطلاقاته عند المحدثين، وألفاظ السبر، ومنهج ابن عدي فيه.

السبر لغة: هو» روز الأمر وتعرف قدره، يقال: خبرت ما عند فلان وسبرته. ويقال للحديدة التي يعرف بها قدر الجراحة: المسبار « (١) . وقال صاحب القاموس المحيط:» امتحان غور الجرح، وغيره « (٢) .

فمادة سبر إذن من معانيها: الاختبار، والامتحان، ومعرفة القدر، والتجريب.

ولعل هذه الكلمة - أعني السبر- أكثر شيوعا عند الأصوليين (٣) ، ولكنها مع ذلك مستعملة عند المحدثين بإطلاقات متعددة، أو باللفظ نفسه أحيانا.

السبر اصطلاحا: هو» استقصاء روايات الحديث الواحد، وتتبع طرقه، ثم اختبارها، وموازنتها بروايات الثقات «.

فقوامه استنادا لهذا التعريف أمران هما:


(١) معجم مقاييس اللغة لابن فارس (٣/١٢٧) .
(٢) القاموس المحيط بترتيب الطاهر أحمد الزاوي (٢/٥٠٩) ، وانظر أيضا مختار الصحاح للرازي (١٢١،١٩٩) .
(٣) ترد في باب القياس عندهم، ويعنون بها:» اختبار صلاحية الأوصاف المقارنة للحكم لتكون علة بعد تقسيمها «. كذا عرفها مصطفى جمال الدين في القياس (٢٩٨) .
أي أن الأصولي يقوم بحصر الصفات التي تصلح للعلية في بادي الرأي، ثم يقوم باختبار كل واحدة منها هل تصلح لذلك أو لا؟ فيبطل مالا يصلح منها، فيتعين الباقي للعلية. وانظر أيضا: إرشاد الفحول للشوكاني (٢/ ٨٩٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>