ومن واقع تدريسي لهذا العلم لاحظت أن جل الطلبة الذين وصلوا إلى مرحلة التخرج نسوا مبادئ هذا العلم، فلا يميزون المرفوع من الموقوف والمقطوع، ولا يفرقون بين المنقطع والمقطوع والمرسل، ولا بين الحديث الغريب وغريب الحديث وغير ذلك، وحالُ الدارسين والخريجين وقالُهم يشهد بأن هذا العلم صعب الفهم والاستيعاب.
ولكن هل هذا العلم أصعب من سائر العلوم؟
رأيي المتواضع في هذا الموضوع أن مقرر علوم الحديث وإن كان صعباً يتطلب مستوى معيناً من الطلبة إلا أنه ليس بأصعب العلوم، فهو ليس أصعب من مقرر أصول الفقه، ولا من مقرر النحو، وإن الشكوى من تدني مستوى الطلبة في علم النحو وعدم استيعابهم له مريرة، بالرغم من أن الطالب يدرس هذا العلم في جميع المراحل الدراسية.
هل صعوبة العلم أمر معيب؟
إن صعوبة علم ما لا تعيبه ولا تنقص من قدره وأهميته، وإن لكل علم طبيعته التي تناسب بعض المستويات العقلية دون بعض، وكما أن البشر ليسوا على درجة واحدة من الذكاء أو الغباء؛ فكذلك العلوم فيها السهل، وفيها المتوسط، وفيها الصعب. وبما أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يتفاوت أفراد المجتمع في نسبة الذكاء والإدراك والوعي اقتضت أيضاً أن تتفاوت مستويات العلوم، ليجد كل فرد ما يناسب مستواه العقلي، فلا يبغي أحدٌ على أحد، فليس من الحكمة أن تكون جميع العلوم سهلة، كما لا تستقيم الحياة البشرية إذا كان جميع البشر متساوين في الفهم والإدراك.
إن العيب ليس في صعوبة هذا العلم، بل العيب كل العيب في أن يُفتح باب التسجيل فيه لجميع المستويات العقلية. وتخيل فيما لو سمح بدراسة الطب مثلاً لكل من نال درجة النجاح في الثانوية العامة، ألن يؤثر ذلك سلباً على مستوى التدريس عموماً؟ وألن تكون هناك شكوى من تعسر هذا العلم على أفهام الطلبة؟ وألا يؤدي وجود هؤلاء إلى تأثير سلبي على الطلبة المتفوقين؟ وهل يعاب علم الطب إذا شكى الطلبة من صعوبته؟.