للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ولاشك أن احتمال أن يكون الخبرُ مخالفاً للواقع خطأً (بغير عمد) سيزداد قوّةً كُلَّما ابتعد الخبر عن أصله وناقله الأول؛ ((لأنّه ما من راوٍ من رجال الإسناد إلا والخطأ جائزٌ عليه، فكلما كثرت الوسائط وطال السند كَثُرت مظانُّ التجويز، وكلّما قَلّتْ قَلّتْ)) (١) . وكذلك حال الإخبار بخلاف الواقع عمداً (كذباً) ، سيزداد احتمال وقوعه بزيادة عدد الناقلين، الذين يُحتمل في كل واحدٍ منهم (قبل العلم بعدالته) أن يكون كذّاباً. كما أنّ العدالة في الرواة والناس عموماً لم تزل في نقصانٍ ببُعْدِ الناس عن زمن النبوّة، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قومٌ تسبق شهادةُ أحدهم يمينَه ويمينُه شهادتَه)) (٢) ، وفي حديث آخر قال في الرابع: ((ثم يفشو الكذب)) (٣) .

وهذه الزيادة في احتمالاتِ حُصُولِ الإخبار بخلاف الواقع (عمداً أو خطأً) بسبب امتداد الزمن، لم تكن زيادةً في عدد تلك الاحتمالات فقط، بل هي زيادةٌ في العدد وفي صُوَر تلك الاحتمالات أيضاً.


(١) اقتباسٌ من كلامٍ للحافظ ابن حجر في نزهة النظر (١١٦) .
(٢) أخرجه البخاري (رقم ٢٦٥٢، ٣٦٥١، ٦٤٢٩، ٦٦٥٨) ، ومسلم (رقم ٢٥٣٣) ، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الترمذي وصحّحه (رقم ٢١٦٥) ، وابن ماجه (رقم ٢٣٦٣) ، وابن حبان (رقم ٤٥٧٦، ٥٥٨٦، ٦٧٢٨، ٧٢٥٤) ، والحاكم وصحّحه (١/١١٤، ١١٤ - ١١٥) ، والضياء في المختارة (١/١٩١ - ١٩٣ رقم ٩٦ - ٩٨) (١/٢٦٧ رقم ١٥٧) (١/٢٩٤ - ٢٩٥ رقم ١٨٥) ، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
والحديث وقع فيه اضطرابٌ على أحد رواته، لكن له طريقُ من غير طريق الراوي الذي اضطُرب عليه فيه، ثم إن الاضطراب الذي وقع فيه مما لا يُعَلّ به الخبر. فانظر: العلل الكبير للترمذي (٢/٨١٦ - ٨١٧) ، والعلل للدارقطني (٢/١٢٢ - ١٢٥ رقم ١٥٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>