للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

فمثلاً: (التدليس) المذموم و (الإرسالُ) المردود لم يكن ليظهر في جيل الصحابة؛ لأن الصحابة كلّهم عدول، وإنّما ظهر بعدهم، و (الإعضال) لم يكن ليظهر عند من لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بواسطةٍ واحدة، لكنه يُمكن أن يظهر عند من يحدث عنه بواسطتين فأكثر.

وما دام احتمالُ إصابة الأخبار بآفتيها (الكذب والخطأ) سيزدادُ بامتداد الزمن، فلابُدّ أن علماء الأمّة ستزداد عنايتهم في إيجاد الوسائل التي تُخَلِّصُ الأخبار من هاتين الآفتين، وهذا هو تطوّر الميزان النقدي.

ولمّا كان سبب حصول هاتين الآفتين هو الرواية الشفهيّة غير المدوّنة، فقد سارع العلماء إلى التدوين، الذي لم يزل يتطوّر، مواكباً حاجة السنة للحفظ (١) وللحماية من الكذب (٢) أو الخطأ (٣) .


(١) قال عبد الله بن المبارك:» لولا الكتاب ما حفظنا «، وقال إسحاق بن منصور:» قلتُ لأحمد: مَنْ كَرِهَ كتابة العلم؟ قال: كرهه قومٌ كثير، ورخّصَ فيه قوم. قلتُ: لو لم يُكتب ذهبَ العلم، قال أحمد: ولولا كتابتُهُ أيّ شيءٍ كُنَّا نحن؟! «.
انظر: المحدث الفاصل للرامهرمزي (٣٧٧ رقم ٣٦٠) ، وتقييد العلم للخطيب (١١٤، ١١٥) .
(٢) حيث إن التدوين الذي به يتمُّ ضبط المنقول ومعرفته، به يتمّ معرفةُ الكذّابين وفَضْحُهُم، وبحصوله يهابون التجرؤَ عليه، وتُعْرفُ نُسَخُهم فلا يتهافت عليها أشباههم. يقول ابن معين: ((كتبنا عن الكذّابين، وسجرنا به التنّور، فأخرجنا به خُبزاً نضيجاً)) ، ويقول: ((وأيُّ صاحب حديث لا يكتب عن كذّابٍ ألفَ حديث؟!)) .انظر: المجروحين لابن حبان (١/٥٦) ، والكامل لابن عدي (١/١٢٤) .
(٣) إن علاقة الضبط بالكتابة أمرٌ لا خفاء به. يقول الإمام أحمد:» حدثنا قومٌ من حفظهم، وقومٌ من كتبهم، فكان الذين حدثونا من كتبهم أتقن «. تقييد العلم للخطيب (١١٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>