ولم يكن الفقهاء والحكام والقضاة في العصور الأولى مقلدين ولا جامدين، بل كانوا سادة مجتهدين. ثم فشا التقليد بين أكثر العلماء، إلا أفراداً كانوا مصابيح الهدى في كل جيل. ومع ذلك فقد كان المقلدون من العلماء يحسنون التطبيق والاستنباط في تقليدهم. وكان الملوك والأمراء والقواد والزعماء علماء بدينهم متمسكين به، إلى أن جاء عصر ضعف المسلمين، بضعف العلماء واستبداد الأمراء الجاهلين. فتتايع (١) الناس في التقليد، واشتد تعصبهم لأقوال الفقهاء المتأخرين، في فروع ليست منصوصة في الكتاب والسنة، ولعل كثيرا منها مما استنبطه العلماء بني على عرف معين، أو لظروف يجب على العالم مراعاتها عند الاجتهاد، بل لعل بعضها مما أخطأ فيه قائله، بأنه ليس بمعصوم.
وكثر الحرج واشتد الضيق، إلى أن جاء الجيل الذي سبق جيلنا، والأمر ظلمات بعضها فوق بعض، والعلماء -أو أكثرهم- يزدادون جموداً وعصبية، والزمن يجري إلى تطور سريع، يقعد بهم تقليدهم عن مسايرته، فضلا عن سبقه. حتى لقد عرض بعض الأمراء في الجيل الماضي على العلماء أن يضعوا للناس قانوناً شرعياً، يقتبسونه من المذاهب الأربعة، حرصاً على ما ألفوا من التقليد، وهو طلب متواضع، قد يكون علاجاً وقتياً، فأبوا واستنكروا، فأعرض عنهم.
ثم دخلت علينا في بلادنا هذه القوانين الإفرنجية المترجمة، نقلت نقلا