يحترمها المسلمون في عقيدتهم ودينهم، وإنما رهبوها وخافوا آثارها الظاهرة، ولم يعتقدوا وجوب طاعتها في أنفسهم، فكان ما نرى من اللدد في الخصومة، والإسراف في التقاضي، واتباع المطامع، والتغالي في إطالة الإجراءات، والتفصي بالحيل القضائية عن تنفيذ الأحكام، وعم هذا كله دور القضاء، شرعية وغيرها. ذلك أن الناس مردت نفوسهم على الباطل، وفقدوا قلوبهم، فاتبعوا شهواتهم وأسلسوا لشيطان المادة مقادهم. وكان ما نرى من إباحية سافرة فاجرة، عصفت بالأخلاق السامية، والتقاليد النبيلة، حتى كادت توردنا موارد الهلكة.
أيها السادة!
إن قسم المتعلمين في الأمة إلى فريقين أو معسكرين مكن لأقواهما من أن يستأثر بالتشريع والإفتاء، فيحدوا بالأمة ويعدل بها عن سواء الصراط. ذلك أنهم أفهموا وعلموا أن مسائل التشريع ليست من الدين، وظنوا أن الدين الإسلامي كغيره من الأديان، وأن تعرض العلماء والفقهاء لهذه المسائل تعرض لما لا يعنيهم، وعصبية للاحتفاظ بسلطانهم، شبهوهم بالقسس في أوربة، وغلبت عليهم مبادئ الثورة الفرنسية في محاربة الكنيسة، فاندفعوا في عصبيتهم ضد شريعتهم ودينهم، وأبوا أن يسمعوا قولاً لقائل، أو نصحاً لناصح. وذهبوا يضعون القوانين للمسلمين، على غرار القوانين التي وضعت لغيرهم، بأنها توافق مبادئ التشريع الحديث!!
وابتلي فريق منا بهذا التشريع الحديث، فذهبوا يلعبون بدينهم، فيما