ختم هذا النظم بمبادىء علم التصوف وفاء بما وعد به صدر النظم في قوله (وفي طريقة الجنيد السالك) وتفاؤلا لأن يكون السعي في تصفية القلب وتطهيره خاتمة الأمر والمبادىء جمع مبدأ وهو في اصطلاح أكثر الأصوليين ما يتوقف عليه المقصود بوجه ما ولا يخلو توقف المقصود عليه إما أن يكون باعتبار معرفته أو باعتبار الشروع فيه أو باعتبار البحث عن مسائله فإن توقف باعتبار معرفته فإن كان من جهة المعنى فهو الحد ومعرفته تستلزم معرفة الموضوع وإن كان من جهة اللفظ فهو الاسم وإن توقف عليه باعتبار الشروع فيه فإن كان باعتبار الغاية والمقصود منه فهي الفائدة وفي معناها معرفة الفضيلة وكذا معرفة فضل واضعه فإن ذلك مما يبعثه على الشروع فيه وإن كان باعتبار الإذن في الشروع فهو الحكم وإن توقف باعتبار البحث في مسائله فيسمى ذلك بالاستمداد عند الاصوليين وبالمبادىء عند المنطقيين ولا شك أن ما ذكره الناظم في هذا الكتاب من مسائل التصوف من التوبة والتقوى وغض البصر عن المحارم وما ذكر بعده يتوقف عليه غيره مما هو أرقى منه مما هو المقصود بالذات قال الإمام الهروي واعلم أن العامة من علماء هذه الطائفة والمشيرين إلى هذه الطريقة اتفقوا على أن النهايات لا تعلم إلا بتصحيح البدايات كما أن الأبنية لا تقوم إلا على الأساس وتصحيح البدايات هو إقامة الأمر على مشاهدة الاخلاص ومتابعة السنة وتعظيم النهي على مشاهدة الخوف وغاية الحرمة والشفقة على العالم يبذل النصيحة وكف المؤوفة ومجانبة كل صاحب يفسد الوقت وكل سبب يفتن القلب على أن الناس في هذا الشأن ثلاثة نفر: رجل يعمل بين الخوف والرجاء شاخصا إلى الحب مع صحبة الحياء فهذا هو الذي يسمى المريد ورجل مختطف من وادي الفرقة إلى وادي الجمع وهو الذي يقال له المراد ومن سواهما مدع مفتون مخدوع وجميع هذه المقامات يجمعها رتب ثلاث
الرتبة الأولى أخذ القاصد في السير. الرتبة الثانية دخوله في القربة. الرتبة الثالثة حصوله على المشاهدة الجاذبة إلى عين التوحيد في طريق الفناء اهـ
ثم قال واعلم أن الأقسام العشرة التي ذكرتها في صدر هذا الكتاب هي قسم البدايات وهي عشرة أبواب
الباب الأول اليقظة قال تعالى {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله} والقومة لله تعالى هي اليقظة من سنة الغفلة والنهوض عن ورطة الفترة وهو أول ما يستنير قلب العبد بالحياة لرؤية نور التنبيه.