للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تقول منه جرم واجرام واجترام بمعنى انتهى وأن وجوب التوبة على الفور لا على التراخي فمن أخرها وجب عليه التوبة من ذلك التأخيروالظاهر أن الاطلاق راجع للفورية فكما تجب التوبة من كل ذنب فكذلك تجب فورا في جميعها ويحتمل رجوع الاطلاق للذنب فيكون لتأكيد العموم المستفاد من لفظ كل كما ما تقدم وأن التوبة هي الندم أي على المعصية من حيث أنها معصية وإن شئت قلت لقبحها شرعا فالندم على شرب الخمر لاضراره بالبدن ليس بتوبة وإنما يكون الندم المذكور توبة بثلاثة شروط

الأول الاقلاع أي عن الذنب في الحال بحيث يتركه ويتجنبه فورا ولكن هذا إنما يشترط في معصية اتصلت بالتوبة فلو تاب من معصية بعد الفراغ منها كشرب الخمر بالأمس سقط هذا الشرط

الشرط الثاني أن ينوي أن لا يعود إلى ذلك أبداً وهذا الشرط لا بد منه في حق من تاب بعد الفراغ من المعصية، وفي حق من تاب حال التلبس بها فيلزمه مع الإقلاع أن ينوي أن لا يعود أبداً وعلى هذا الشرط عبر بنفي الاصرار إذ هو كما في الرسالة المقام على الذنب واعتقاد العودة اليه على أن الواو في كلام الرسالة بمعنى أو فإذا انتفيا ثبت مقابلهما وهو الاقلاع ونية أن لا يعود أبدا وهو الثاني هو المراد هنا وعلى هذا فنفي الاصرار أعم من الاقلاع فلو اكتفى بنفي الاصرار على الاقلاع لكفى والله أعلم، ولا يشمل الاقلاع من غير نية أصلا إذ لا بد في التوبة من النية لأنها روح العمل

الشرط الثالث تلافي ما يمكن تلافيه وتداركه من الحق الناشىء عنها كحق القذف فيتداركه بتمكين نفسه عن المقذوف أو وارثه ليستوفيه وإلى ذلك أشار بقوله وليتلافى ممكنا وقيل لا يشترط ذلك بل يجب عليه فإن لم يفعله فتوبته صحيحة وذلك ذنب آخر تلزمه التوبة منه، قلت ويظهر من كلام بعضهم أن هذا الشرط آيل الى شرط الاقلاع وذلك ظاهر فإن من وجب عليه حق يمكنه تلافيه فلم يفعل لم يقلع إذ ما من وقت إلا وفيه عاص بترك التلافي فإن لم يمكن تدارك الحق كما إذا لم يكن مستحقه موجودا سقط هذا الشرط كما يسقط أيضا في توبة معصية لا ينشأ عنها حق لآدمي وذا استغفار حال التائب النادم واستغفاره شرط كمال لا شرط صحة والتوبة لغة الرجوع وشرعا الرجوع من أفعال مذمومة شرعا إلى أفعال محمودة شرعا وقيل الرجوع عن أربعة أشياء إلى أربعة أشياء من الكفر إلى الإيمان ومن المعصية إلى الطاعة ومن البدعة إلى السنة ومن الغفلة إلى اليقظة وقيل نفور النفس عن المعصية بحيث يحصل عن ذلك الندم على المعاصي والعزم على الترك في المستقبل والاقلاع في الحين فيرد المظالم

<<  <   >  >>