ش: حُكْمُ المنَافِعِ وَالمضَارُّ فِيمَا قَبْلَ الشَّرْعِ سَبَقَ ذِكْرُهُ أَوَّلُ الكتَابِ، عِنْدَ قَوْلِه: (ولاَ حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ) بَلْ الأَمرُ مَوْقُوفٌ إِلَى ورودِه، وأَمَّا بَعْدَ الشَّرْعِ، فَالأَصْلُ فِي المضَارِّ التَّحْرِيمُ وفِِي المنَافعِ الإِذنُ، كَقَوْلِهِ تعَالَى فِي مَعْرِضِ الامتنَانِ/ (١٦١/أَ/د): {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} وقولُه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((لاَ ضَرَرَ ولاَ ضِرَارَ)) وخَالَفَ فِيهِ بعضُهم، وَاسْتَثْنَى- وَالِدُ المُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ أَصْلَ المنَافِعِ الحِلُّ- الأَموَالَ، فقَالَ: وَلَكَ أَنْ تقولَ: الأَموَالُ مِنْ جملةِ المنَافعِ، وَالظَاهرُ أَنَّ الأَصْلَ فِيهَا التَّحْرِيمُ؛ لقولِه صلَى اللَّه عَلَيْهِ وسلم: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ)) وهو أَخصُّ مِنَ الأَدلَّةِ التي استدَلَّ بِهَا علَى الإِبَاحةِ فَيَكُونُ قَاضِيًا عَلَيْهَا، إِلا أَنَّهُ أَصلٌ طَاريءٌ علَى أَصلِ سَابقٍ، فإِنَّ المَالَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُه مِنَ المنَافعِ، الأَصْلُ فِيهِ الإِبَاحةُ بِالأَدلَّةِ السَّابقةِ، ومِنْ خُصُوصِيَّتِهِ الأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ بهذَا الحديثِ.
قُلْتُ: فِي هذَا الكلاَمِ نَظَرٌ، وَالدَّعْوَى عَامَّةٌ، وَالدَّلِيلُ خَاصٌّ فإِنَّه ادَّعَى أَنَّ الأَصْلَ فِي الأَموَالِ التَّحْرِيمُ وَالدَّلِيلُ الذي ذَكَرَهُ خَاصٌّ بِالأَموَالِ المختصَّةِ، فإِذَا وَجَدْنَا مُبَاحًا فِي البَرِّيَّةِ أَو غيرِهَا فَلَيْسَ فِي الحديثِ مَا يَدُلُّ علَى تحريمِهِ، وكونُ المَالِ الذي تعلَّقَ بِهِ حقُّ الغيرِ حرَامًا لاَ يُنَافِي كَوْنَ الأَصْلِ فِي الأَموَالِ الإِبَاحةَ؛ لأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا حُرِّمَ لعَارضٍ وهو تعلُّقُ حقِّ الغيرِ، وذلك لاَ ينَافِي أَنَّ الأَصْلَ فِيهَا الإِبَاحةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute