رسولَ اللَّهِ! أَرْسِلُ نَاقَتِي وأَتَوَكَّلُ، أَو أَعْقِلُهَا وأَتوكلُ؟ فقَالَ: ((اعْقِلْهَا وتوكَّلْ)) روَاه البَيْهَقِيُّ وَغَيْرُه.
(ورَوَى معَاويةُ بْنُ قُرَّةَ) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى علَى قَوْمٍ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ المتوكلون. فقَالَ: بَلْ أَنتم الْمُتَّكِلُونَ، أَلاَ أَخْبِرُكُمْ بِالمتوكِّلِينَ: رَجُلٌ أَلْقَى حَبّْهَ فِي بَطْنِ الأَرضِ، ثُمَّ تَوَكَّلَ علَى ربِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يَعْنِي الْمُتِّكِلِينَ علَى أَموَالِ النَّاسِ.
وقَالَ الْجُنَيْدُ: لَيْسَ التّوكُّلُ الكسبَ، ولاَ تَرْكَ الكسبِ؛ التَّوَكُّلُ سُكُونُ الْقَلْبِ إِلَى موعودِ اللَّهِ تعَالَى.
قَالَ البَيْهَقِيُّ: فَعَلَى هذَا يَنْبَغِي أَنْ لاَ يَكُونَ تجريدُ هذَا السُّكونِ عَنِ الكَسْبِ شرطًا فِي صِحَّةِ التّوكلِ، بَلْ هو مكتسبٌ بِظَاهرِ العِلْمِ مُعْتَمَدٌ بِقَلْبِهِ علَى اللَّهِ تعَالَى، كَمَا قَالَ بعضُهم: اكتسبْ ظَاهرًا وتَوَكَّلْ بَاطنًا؛ فهو مَعَ كَسْبِهِ لاَ يَكُونُ معتمدًا علَى كَسْبِهِ بَلْ معتمدًا فِي كفَايةِ أَمْرِهِ علَى اللَّهِ تعَالَى.
قُلْتُ: فكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التّعبِيرُ بِقَوْلِهِ: ورَجَّحَ قَوْمٌ تَرْكَ الأَسبَابِ وقَوْمٌ: الاكتسَابَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ): يُشِيرُ إِلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بْنُ عطَاءِ اللَّهِ فِي كتَابِ (التَّنْوِيرُ فِي إِسقَاطِ التَّدْبِيرِ) قَالَ: طَلَبُكَ التَّجْرِيدَ مَعَ إِقَامةِ اللَّهِ إِيَّاكَ فِي الأَسبَابِ مِنَ الشّهْوَةِ الخَفِيَّةِ، وطَلَبُكَ الأَسبَابَ مَعَ إِقَامَةِ اللَّهِ إِيَّاكَ فِي التَّجْرِيدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute