للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأفراح. وقعدت فاطمة تذكر الماضي الحلو الجميل وتناجي مستقبلاً ترجو أن يكون أجمل وأحلى.

ذكرت يوم انتقلت من قصر أبيها، أمير المؤمنين عبد الملك، إلى قصر زوجها وابن عمها، الأمير عمر، فإذا قصر الأمير أعظم من قصر الخليفة، وإذا هو يبذه في فرشه وزينته وتحفه وخيراته.

لقد كان عمر أكثر أموي ترفهاً وتملكاً، غُذي بالملك ونما في ظلاله، وكانت ثيابه التي يخرج فيها للناس يزيد ثمنها على خمسة آلاف درهم، وكان العطر الذي يتعطر به يُؤتى به إليه وحده من الهند، فكان إذا جاز بمكان عرفه من لم يره من عبق عطره. وكان الأشراف يعطون الغسالة العطية الكبيرة لتجعل ثيابهم مع ثيابه ليسري إليها من رياه. وكانت له مشية سماها الناس «العمرية» من حسنها وجمالها، وكانت الغواني يحاولن أن يتعلمنَها وأن يقلدنَه فيها. وكان يرخي ثوبه على عادة الفتيان الأشراف المدللين في ذلك الزمان، فربما دخل الثوب في النعل فيشده حتى يتمزق ولا ينحني ليصلحه، مع أن الثوب من ثيابه قد يزيد ثمنه على ألف درهم! وقد يسقط عن منكبيه فيتركه ولا يرفعه حتى يجيء من يأخذه!

تصورت فاطمة هذا كله، وما شاركته فيه من النعم في حياة عاشاها لا يبلغ الخيال مداها، وكان يجمع بينهما أطهر الحب وأقواه، وكانت إشارته عندها أمراً، ورغبتها عنده فرضاً؛ لا تخالفه في شيء ولا يُرد لها عنده طلب!

* * *

<<  <   >  >>