للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حين قسره الغالبون فلم يجد إلا ذاك، وكتبت السيدة الكبرى أمهما. وكانا في حصنين أمنع من النجم، تهاوت الحصون وهما ثابتان. ولكن ماذا ينفع حصنان وقد باد الملك، وماد العرش، وساد المرابطون؟

فلما أطاعا ونزلا قُتل الراضي على باب حصنه، واستُصفي مال أخيه وتُرك على شر حال. ثم اقتيد المعتمد وأهله مجردين من الأموال، مقيدين بالقيود الثقال، ليلقوا ما قُدّر عليهم في صحراء المغرب.

* * *

كان إذا خرج موكب المعتمد أطلت عليه كل فتاة في حمص (١) تختزن صورته لتزين بها أجمل رؤاها وأحلى أحلامها، وتطلع إليه كل شاب ينقش رسمه على شغاف قلبه ليجعله مثلاً له في المعالي، وملأ عينه منه كل أندلسي، لأنهم كانوا يحسون أنه عز لهم وفخر، وأنه حبيب إلى قلب كل أندلسي. وإن عاد مظفراً قاموا على طريقه يرشقونه بأجمل أزهار الجنة.

أما اليوم فقد خرجوا بغير ورد ولا زهر؛ خرجوا وما أعدوا إلا عيوناً تبكي لو استطاعت بدل الدمع دماً، وقلوباً تفديه بحبّاتها لو كان يمكن الفداء. وجرى النهر ذلك اليوم متطامناً خافت الخرير، لا يصخب ولا يهدر، كأنه هو الآخر قد أحس بالألم:


(١) حمص المغرب هي إشبيلية، وتدعى الجنة.

<<  <   >  >>