للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أصبحت ميسون مهمومة، قد تقاسم فكرَها العزيزان: وطنُها وإخوتُها، فما تدري ما جرى لهم وماذا يجري عليه، ولقف سمعها طرفاً من أحاديث المارة، فعلمت أنه قد اشتد الخطر ودنا الهلاك، وأن هؤلاء «الواغلين» لا يفتؤون يركبون جناح الليل الأسود إلى شاطئ فلسطين، تحملهم المواخر الهاربة من عين الرقيب، المتسللة من وراء الحرس، فكلما دجى الظلام نزلوا إلى الشط أفواجاً، فكانوا للغاصبين عوناً وعلى أهل البلاد حرباً. وجعلت تفكر في هذه العصبة المجاهدة الكريمة، ماذا تستطيع أن تصنع لها؟ وكيف توقد النار في أعصاب هؤلاء الذين لا يزالون يروحون ويغدون على متاجرهم وأعمالهم، ويأخذون حظوظهم من مفاتن الطبيعة وجمال الكون، وتنسيهم ملذات أجسامهم ومرابح تجارتهم هذا الخطر الذي عم البلاد، والذي طال الزمان به، ونشؤوا عليه فألفوه ونسوا أيام الحرية والمجد وأن هذه البلاد بلادهم، وأنهم سلائل الأبطال الفاتحين، وحسبوا حكم هؤلاء «الواغلين» ضربة لازب، وأن قضاء الله قد تم فيهم فلا ينفع معه سعي، وأن أيام السعادة قد انتهت فلا تؤمل لها رجعة.

كيف لها - وهي فتاة - بإيقاظ هذه النفوس التي امتد بها الهجوع حتى كاد يكون موتاً؟ كيف تُفهم هذه الشخوص التي تجيء وتذهب (كشخوص من ورق في ألعوبة «الكراكوز») أن الحياة ليست بطناً يُملأ، ولا شهوة تُقضى، ولا مالاً يُنال، ولكن الحياة المجد والتقى وجلائل الأعمال. وأن يعرفوا للوطن حقه، وأن يعلموا، ويعلم كل عربي وكل مسلم، أنه ما دام في فلسطين

<<  <   >  >>