في الباشا العظيم إلا نملة. فمَنذا الذي يحفل بنملة؟!
وأجال الباشا نظره فيهم حتى علق برجل الشيخ (وكانت ممدودة نحوه)، فأثار مرآها كبرياءه وسلطانه، ورأى فيها علامة تعجب أضيفت إلى عظمته وجلاله إضافة سخرية وتهكم، ورآها كبيرة في عينيه، فأحس كأنما هي في عينه، ونظر في الحاضرين: ألم يجرد واحد منهم سيفه يتقرب إلى الباشا بقطّها؟
وكان الباشا ينظر بعين بصره المادية، لم تُفتح - بعد - عين بصيرته المعنوية، فيفاضل بين قصره وسريره ومكان الشيخ وحصيره، وبين جنده وأعوانه وتلاميذ الشيخ وإخوانه، فيوقن أن دنيا الشيخ كلها لا تثبت لحظة لسيفه الذي لم تثبت له دنيا الخليفة العثماني (إمبراطور الشرق). وكان كالأسد الذي زعموا أنه مر على قنبلة من القنابل المدمرة ملقاة في أجمته، فعجب منها وحقرها وقال: ويحك، أي حيوان أنت؟ يا للضعف والمهانة! أين الأنياب؟ أين المخالب؟ أين ... أين ... ؟ يا للهوان ماذا يصنع بأهله!
قالوا: ثم ركلها برجله، فانفجرت القنبلة!
وانفجرت القنبلة من فم الشيخ فرجع يتكلم.
* * *
قال: ومن عجيب صنع الله في الإنسان أنْ خلقه حيواناً كالحيوان، ولكنه وضع فيه ملكاً ووضع فيه شيطاناً، فمن كان همَّه من دنياه لذتا بطنه وفرجه وابتغاهما من حِل ولم يعرف غيرهما لم يكن فيه إلا الحيوان، فهو يرتع كما يرتع الحمار ويتبع غريزته