فخوّف نفسه المرض وذكّرها الموت. والمؤمن لا يزال بخير ما زال بين الخوف والرجاء، فإن لم يخف أو يرجُ فقد هوى.
ولقد سمعنا أن منهم من كان يُدني يده من المصباح ويقول: يا نفس، إن لم تصبري على هذا فكيف - ويحك - تصبرين على نار جهنم؟ وإن المؤمن ما ثارت في نفسه شهوة إلا أطفأها بأنهار الجنة، أو أحرقها بنار جهنم، فاستراح منها.
وما الإنسان لولا العقل؟ وكيف يكون العقل إن لم يكن معه الإيمان؟ إنه لا يكون - إذن - إلا كما قالوا: أوله نطفه مذرة، وآخره جيفه قذرة. وإن للسلطان لسكرة، فمن أسكره سلطانه وعزته على الناس فليذكر هوانه على الله، وأن الله أهلك أشد الملوك (وهو النمرود) بأضعف الخلق (وهو البعوض)!
فيا مَن أصله من التراب، لا تنسَ أن نهايتك إلى التراب!
* * *
وكان الباشا يشعر - والشيخ يتكلم - كأنه كان محبوساً في صندوق ثم فتح عينيه فنشق الهواء الطلق، أو كأنه كان في ظلمة فاحمة فطلع الشيخ عليه شمساً نيرة، فتضاءل حتى جلس على ركبتيه، ورأى نفسه دون هؤلاء كلهم لأنهم ألصق منه بالشيخ وأدنى إليه، ولم يعد يزعجه مرأى الشيخ وهو ماد رجله ... بل كان يراه الغريق ويراها خشبة النجاة، وكان يبصرها عالية كجناح النسر المحلق، ثم لم يعد يرى فيها شيئاً. لقد استحال الشيخ في نظره إلى فكرة ... لم يعد يرى فيه إلا الحقيقة تمثلت إنساناً!