للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكنه رأى موكب الخليفة غير مرة فما رأى مثل اليوم، ودنا من شيخ واقف في أطراف الناس فسأله من القادم، وأين يذهب؟

فقال: إنه أبو عبد الله، الذي لا يمشي إلى الخليفة، قادم ليعود مريضاً في هذا الفندق.

فصاح الفندقي: أبو عبد الله قادم إلى فندقي، أبو عبد الله؟! وطفق يصيح ويثب لا يدري ماذا يصنع وماذا يقول، وما يحفله أحد لأن الناس يستشرفون الطريق ينظرون وقد احتشدوا فيها، فما بقي بزّاز في دكانه ولا تاجر في سوقه ولا طالب علم في حلقته، ولهم دويٌّ وجلبة.

وصحا الفندقي على نفسه، فإذا هذا البحر ينشقّ بقدرة الله، وإذا الخلق يسكتون حتى كأن على رؤوسهم الطير، ويبدو الإمام ومن حوله طلبة العلم قد احتشدوا من جهات بغداد كلها، بغداد العظيمة التي يسكنها مليونان، وبأيديهم قراطيسهم وأقلامهم يكتبون كل كلمة يقولها. فانتهى الإمام إلى الغرفة، فوقف على المريض فقال له: يا أبا عبد الرحمن، أبشرْ بثواب الله، أعلاك الله إلى العافية ومسح عنك بيمينه الشافية.

فتناقل القوم ما قال فكتبوه.

ومرت أعوام بعد ذلك وأعوام والناس يذكرون هذا اليوم المشهود. أما الفندق فغدا منذ تلك الزيارة محط رجال العلماء والكبراء، ودرت على صاحبه أخلاف الرزق، وأما بقيّ فقد شفاه الله وأعاده إلى الأندلس فملأها علماً.

* * *

<<  <   >  >>