للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتشجع وشد من عزمه ودخل يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، فلما لم يرَ أحداً قد منعه سكنت نفسه، ونظر فإذا هو في صحن واسع إذا كنت في طرفه لا تستطيع أن تتبين من هو في الطرف الآخر، قد فُرشت أرضه بناصع الرخام فهو يلمع كالمرايا، والناس يجلسون عليه، وحوله جدران عالية ما رأى قط بناء أرفع منها، وهي مزخرفة بأعجب الزخارف والنقوش، وفي وسط الصحن بركة واسعة يتفجر منها الماء فيضربه شعاع الشمس فيكون له منظر عجيب. ونفذ من الصحن إلى قاعة لا تقل عنه سعة ولا يدانيها بهاءً وجمالاً، قد قام سقفها على أساطين الرخام، تحمل أقواساً فوقها أعمدة أصغر منها، فوقها أحناء (أي حنايا) وطاقات معقودة، وتتدلى من السقف سلاسل الفضة تحمل المصابيح والثريات.

وجعل يمشي خلال الناس ذاهلاً لا يدري ماذا يصنع، فاصطدم برجل كان يقوم ويقعد ويذكر اسم الله. وتلفت الرجل إلى اليمين وإلى الشمال، ونظر إليه فرآه غريباً فسأله عن حاله، فسبق لسانه إلى الحقيقة فأخبره أنه جاء من بلده يريد لقاء الخليفة، ثم تنبّه وقدّر أن الرجل سيرتاع لذكر الخليفة بلا تعظيم ولا تبجيل وأنه سيدفعه إلى الشرطي فيستاقه إلى السجن ... فرأى الرجل ساكناً هادئاً كأنه لم يسمع نكراً، وسمعه يقول له: أتحب أن أدلك على داره؟

قال: أوليست هذه داره؟!

قال الرجل مبتسماً: لا؛ هذا بيت الله، هذا المسجد. أصليت؟

<<  <   >  >>