للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الرجل: ويحك! هذا - والله - أمير المؤمنين الذي ليس فوقه إلا الله. وهذه المرأة ... ألا تدري من هذه المرأة؟ هذه زوجة الخليفة عمر وبنت الخليفة عبد الملك وأخت الخليفتين وليد وسليمان وأخت هشام ويزيد وسيكونان خليفتين؛ هذه أمجد امرأة في العرب. ولقد كان أمير المؤمنين أرفه الناس عيشاً وأكثرهم طيباً، ولكنه كان فيه عرق من عمر بن الخطاب فنزع به عرقه من عمر إلى ما ترى، فعُدْ إليه فاقرع بابه وانفض إليه شَكاتك ولا تخف؛ فوالله ما هو الملك المتكبر ولا الحاكم الجبار، ولكنه عبد لله متواضع هين لين، فإذا رأى الحق أمضاه فلم يقف دونه شيء، وإذا غضب لله كانت العواصف والصواعق دون غضبه قوة ونفاذاً ... فاذهب موفقاً.

مضى السمرقندي نحو دار الخليفة يتعثر في مشيته، يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، تتّقد نار الحماسة في نفسه فيخطو ثم تعصف بها رياح الشك فيقف، وكان يطير به الخيال إلى ملوك بلده فيتصور تلك الحجب على القصور، وأولئك الحجّاب على الأبواب، والسيوف المصلتة والرماح المشرعة، ثم يبصر هذه الدار ... وهذا الذي قالوا إنه أمير المؤمنين، فيزداد به الشك. إنه يعرف السلطان الذي يحكم بالبطش والرعيةَ التي تطيع بالخوف، أما سلطان العدل وطاعة الحب، فشيء لم يعرفه في بلده!

واستقر في نفسه أن الرجل يسخر به، فعدا وراءه حتى لحقه وقال له: ناشدتك الله أيها الرجل، هل هذه الدار هي دار أمير المؤمنين؟

<<  <   >  >>