طهر ارتفع عنه الحدث بانفراده والصحيح ما صدر به واستشكل كل من القولين اللذين بنيا عليهما فالأول وهو أنه لا يرتفع إلا بكمال الطهارة بلزوم عدم تأثير الحدث في أثنائها لأنه إذا لم تحصل فلا معنى لنقضها فإذا توضأ ثم بال بعد غسل الرجل اليمنى لم يلزمه غير غسل اليسرى وذلك باطل ولم يجب عنه وقد يجاب بأن معناه لا يتحقق رفعه إلا بكمالها فالرفع حاصل قبل كمالها ولكن لم يتحقق إذ يحتمل زواله بالحدث قبل الكمال واستشكل ابن العربي الثاني بلزوم جواز مس المصحف لمن غسل وجهه ويديه فقط في الوضوء وهو خلاف الإجماع وأجاب ابن عرفة بأنه لا يلزم إذ إنما يعرف أن كل عضو طهر بانفراده بتمام الطهارة فإتمامها كاشف بأن العضو قد طهر ولا يمس المصحف قبل تبين المكاشف قال بعض حذاق تلامذته لا يخفى عليك ما في هذا الجواب من التكلف ثم هو غير سديد لأن القائل بذلك يرى أن العضو بنفس الفراغ منه طهر بدون انتظار شيء ولذا أجروا عليه صحة تفريق النية على الأعضاء أي على ما استظهره ابن رشد من قول ابن القاسم وإن كان ضعيفًا كما مر واحتجوا له بحديث إذا توضأ العبد فغسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه الحديث لأن خروج الخطايا إنما يكون بعد طهارته في نفسه دون نظر إلى شيء وعلى كلامه يلزم أن لا تخرج خطايا الوجه إلا بتمام وضوئه وأبين من جوابه أن المشترط في مس المصحف ليس طهارة العضو بل طهارة الشخص لقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} [الواقعة: ٧٩] فالعضو قد طهر بالفراغ منه ولا يمس المصحف حتى يطهر الشخص وبنحو هذا الجواب
ــ
رشد لم يستظهر في مسألة التفريق شيئًا أصلًا ولم يتكلم عليها وإنما استظهر قول ابن القاسم يرفع الحدث عن كل عضو بانفراده ولما بنى ابن الحاجب الأجزاء في التفريق على هذا القول الذي استظهره ابن رشد نسب له المصنف الاستظهار في التفريق وهو غير ظاهر إذ قد لا يسلم ابن رشد التفريع المذكور لجواز أن يقول إن رفع الحدث عن كل عضو بانفراده مشروط عنده بتقدم نية الوضوء بتمامه ونص ابن الحاجب لو فرق النية على الأعضاء فقولان بناء على رفع الحدث عن كل عضو أو بالإكمال اهـ.
قال في ضيح فإن غسل الوجه ففي قول يرتفع حدثه وفي قول لا يرتفع حدثه إلا بعد غسل الرجلين قال في البيان والأول قول ابن القاسم في سماع عيسى عنه والثاني لسحنون قال والأول أظهر انظر تمامه والله تعالى أعلم وقول ز وقد يجاب بأن معناه لا يتحقق الرفع إلا بعد كمالها الخ هذا الجواب فيه نظر لأن فيه رجوعًا إلى القول الثاني فتأمله والظاهر في الجواب أن الحدث من موانع الوضوء فوقوعه في أثنائه يمنع صحة ما فعل قبله وإن لم يرتفع الحدث ولا يسمى حينئذ ناقضًا وقول ز لأن خروج الخطايا إنما يكون بعد طهارته في نفسه الخ فيه نظر وقد رد في التوضيح الاحتجاج بهذا الحديث فقال تمنع ارتفاع الخطايا بارتفاع الحدث بل لأجل الغسل لأن الغسل فعله فيجازى عليه وأما رفع الحدث فليس من فعله اهـ.