خلافًا للشافعي في أن الحنث إنما يكون إذا فعلتهما على عكس الترتيب لأن الثالث معلق على الثاني والثاني معلق على الأول لا بأحدهما وهذا لا يخالف ما تقدم من الحنث بالبعض لأنه في كل له أجزاء كرغيف وما هنا ليس كذلك إذ أحد الشرطين لا يصدق على الآخر وهذا مشكل على قوله لها إن دخلت هاتين الدارين فأنت طالق فدخلت إحداهما فإنه يحنث بذلك مع أن كل دار غير الأخرى وغير صادقة عليها ويمكن أن يقال لا إشكال لأن قوله إن دخلت هاتين الدارين فأنت طالق مثل قوله إن أكلت هذا الرغيف فأنت طالق فكما أن الأكل في الرغيف صادق بالكل والبعض كما مر كذلك الدخول في الدارين صادق بالكل والبعض وذكر ابن شاس أن مسألة المصنف هي تعليق التعليق وتبعه غ ونازعه تت بأن تعليق التعليق إنما هو نحو إن دخلت الدار فأنت طالق إن كانت لزيد وهي أيضًا إنما تطلق بهما ولما فرغ من مسائل التعليق شرع فيما تلفق فيه الشهادة وما لا تلفق من إنشاء أو تعليق ومحصله أن التلفيق يكون في القول المختلف سببه وغير المختلف سببه حيث اتفق معنى القول فيهما ولا يضر اختلاف زمانهما أو مكانهما إن وجدا فإن اختلف معنى القول فلا تلفيق ولو اتفق ما يوجب الحكم على المشهور ولو كانا خبرين أو إنشاءين كشهادة أحدهما أنه حلف بالطلاق لا دخل دار فلان والآخر أنه حلف به لا كلم
ــ
من الإتيان بما لا دخل له في الكلام وترك ما له دخل فيه وهو عبث وإما أن يجعل جوابًا للثاني دون الأول ولا سبيل إليه لأنه يلزم أن يكون الثاني وجوابه جوابًا للأول وحينئذ يلزم الإتيان بالفاء الرابطة ولا فاء فتعين القسم الرابع وهو أن يكون جوابًا للأول وهو وجوابه دليل جواب الثاني قال الدماميني وإنما قصد بهذا الكلام توجيه مذهب الشافعي وإلا فلا يخفى أن مذهب الإِمام مالك رضي الله عنه أنها تطلق سواء أتت بالشرطين مرتبين كما هو في اللفظ أو عكست وبعض أصحابنا يوجه ذلك بأنه على حذف واو العطف كقوله:
كيف أصبحت كيف أمسيت مما ... يغرس الود في فؤاد اللبيب اهـ
قلت وهو توجيه ضعيف لأن حذف العاطف مخصوص بالضرورة وذكر بعض الحذاق أن ما وجه به ابن الحاجب تبعًا للفراء واقتصر عليه في المغني والتسهيل يصلح توجيهًا لمذهبنا أيضًا ولا يقتضي عكس الترتيب كما قال الشافعي إلا لو أبقينا الشرطين على ظاهرهما من الاستقبال ونحن نؤؤل الشرط الأول بمعنى الثبوت فيشمل الاستقبال وغيره وأن معنى مثال المصنف المذكور إن دخلت فإن ثبت كلامك فأنت طالق وذلك شامل لثبوت أن الكلام وقع قبل الدخول أو بعده واعترض عليه بأن هذا يقتضي تحنيثه بكلامها السابق على زمن التعليق وليس كذلك والظاهر أنه لا يحتاج إلى تأويل الأول بالثبوت وأن مذهب الشافعي مبني على أن استقبال الفعل الأول باعتبار زمن الثاني لتوقفه عليه ومذهبنا مبني على أن استقبال كل من الفعلين باعتبار زمن التكلم وهو الظاهر لأن المتوقف على الثاني إنما هو لزوم حكم التعليق لا المعلق عليه وظهر به أن توجيه ابن الحاجب يصلح لكل من المذهبين تأمله والله أعلم وقد علمت بذلك أن قول ز في توجيه مذهب الإِمام الشافعي لأن الثالث معلق على