والعلم بالأحكام واستنباطها كان أولا حاصلا للصحابة فمن بعدهم من علمهم بالقرآن والسنة, ومعرفتهم بلسان العرب, فكانوا إذا نزلت بهم النازلة بحثوا عن حكم الله تعالى فيها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, وكانوا يتدافعون الفتوى ويود كل منهم لو كفناه إياها غيره.
وكان جماعة منهم يكرهون الكلام في مسألة لم تقع, ويقولون للسائل /عنها: أكان ذلك؟ فإن قال: لا, قالوا: دعه حتى يقع, ثم نجتهد فيه. كل ذلك يفعلونه خوفا من الهجوم على ما لا علم لهم به, واشتغالا بما هو الأهم من العبادة والجهاد, وإذا وقعت الواقعة لم يكن بد من النظر فيها.
قال الحافظ البيهقي: وقد كره بعض السلف للعوام المسألة عما لم يكن ولم يمض به كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا أثر, ليعملوا عليه إذا وقع, وكرهوا للمسؤول الاجتهاد فيه قبل أن يقع؛ لأن الاجتهاد إنما أبيح للضرورة ولا ضرورة قبل الواقعة, وقد يتغير اجتهاده عند الواقعة فلا يغنيهم ما مضى من الاجتهاد.
واحتج بعضهم في ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولا ومنقطعا:((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).