وقال معلِّقاً على حديث الباب عند البخاري (٨/٣١٣) : «واستدل بهذا الحديث على وجوب ثبات الواحد المسلم إذا قاوم رجلين من الكفار وتحريم الفرار عليه منهما، سواء طلباه أو طلبهما، سواء وقع ذلك وهو واقف في الصف مع العسكر أو لم يكن هناك عسكر، وهذا هو ظاهر تفسير ابن عباس، ورجحه ابن الصباغ من الشافعية، وهو المعتمد لوجود نص الشافعي عليه في «الرسالة» الجديدة رواية الربيع ولفظه، ومن نسخة عليها خط الربيع نقلت، قال بعد أن ذكر آيات في كتابه: أنه وضع عنهم أن يقوم الواحد بقتال العشرة، وأثبت عليهم أن يقوم الواحد بقتال الاثنين، ثم ذكر حديث ابن عباس المذكور في الباب، وساق الكلام عليه، لكن المنفرد لو طلباه وهو على غير أهبة، جاز له التولي عنهما جزماً، وإن طلبهما فهل يحرم؟ وجهان: أصحهما عند المتأخرين: لا، لكن ظاهر هذه الآثار المتضافرة عن ابن عباس يأباه، وهو ترجمان القرآن، وأعرف الناس بالمراد، لكن يحتمل أن يكون ما أطلقه إنما هو في صورة ما إذا قاوم الواحد المسلم من جملة الصف في عسكر المسلمين اثنين من الكفار، أما المنفرد وحده بغير العسكر: فلا؛ لأن الجهاد إنما عهد بالجماعة دون الشخص المنفرد، وهذا فيه نظر، فقد أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه سرية وحده. وقد استوعب الطبري وابن مردويه طرق هذا الحديث عن ابن عباس، وفي غالبهما التصريح بمنع تولي الواحد عن الاثنين، واستدل ابن عباس في بعضها بقوله -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٠٧] ، وبقوله -تعالى-: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} [النساء: ٨٤] » . (١) انظر: «النوادر والزيادات» لابن أبي زيد القيرواني (٣/٥٠) ، و «الذخيرة» (٣/٤١٠) ، و «البيان والتحصيل» (١٧/٣٠) . (٢) قاله الحنفية بقيد يأتي تنبيه المصنف عليه. انظر: «شرح السير الكبير» (١/٨٩) ، «أحكام القرآن» (٤/٢٢٧) للجصاص، «الفتاوى الهندية» (٢/١٩٣) ، والحنابلة، انظر: «كشاف القناع» (٢/ ٣٧٤) .