للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والآية على هذا مُحكمةٌ ومُتَّفقة المعنى مع قوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] ، لكن في دعوى تسمية الخمس نفلاً؛ نظرٌ،

والله أعلم.

فصلٌ

وأما قوله -تعالى-: {مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ... } الآية [الحشر: ٧] ، فكذلك اختلف أهل العلم فيها؛ فمنهم من ذهب إلى أن الآية منسوخةٌ بقوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ ... } الآية [الأنفال: ٤١] ، وزعم أن الفيء ها هنا هو الغنيمة -أيضاً-، وأنه كان الأمر في صدر الإسلام: أن تُقسم الغنائم على هذه الأصناف المسمَّاة في الآية، ولا يكون لمن قاتل عليها شيءٌ منها، إلا أن يكون من أحد هذه الأصناف، ثم نسخ الله -تعالى- ذلك بآية الخمس، فقصر هؤلاء الأصناف عليه، وقسم سائر الغنيمة في الجيش، روي هذا القول عن قتادة (١) ، وغيره، وهو بعيد


= إنَّ تقوى ربِّنا خيرُ نَفَلْ ... وبإِذنِ اللهِ رَيْثى وعَجَلْ

فإذا كان معناه ما ذكرنا، فكلّ من زيد من مقاتلة الجيش على سهمه من الغنيمة، إن كان ذلك لبلاء أبلاه، أو لغناء كان منه عن المسلمين، بتنفيل الوالي ذلك إياه، فيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل، فهو منفل ما زيد من ذلك؛ لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة في بعض الأحوال بحقّ، فليست من الغنيمة التي تقع فيها القسمة، وكذلك كل ما رضخ لمن لا سهم له في الغنيمة فهو نفل؛ لأنه وإن كان مغلوباً عليه، فليس مما وقعت عليه القسمة، فالفصل إذ كان الأمر على ما وصفنا بين الغنيمة والنفل؛ أن الغنيمة: هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغلبة وقهر نفل منه منفل، أو لم ينفل؛ والنفَل: هو ما أعطيه الرجل على البلاء والغناء عن الجيش على غير قسمة. وإذ كان ذلك معنى النفل، فتأويل الكلام: يسألك أصحابك يا محمد عن الفضل من المال الذي تقع فيه القسمة من غنيمة كفار قريش؛ الذين قتلوا ببدر لمن هو؟ قل لهم يا محمد: هو لله ولرسوله دونكم، يجعله حيث شاء» .
(١) رواه عنه: ابن جرير في «التفسير» (٢٨/٣٧-٣٨) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٨/١٠١) ؛ وعزاه إلى عبد بن حميد.

<<  <   >  >>