للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقولٌ ثان: سهم ذي القربى، هو بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لقرابة الإمام، رُوي ذلك عن الحسن البصري، وقتادة (١) ، ولا مستند لهذا القول إلا ما

لعلَّه أن يُتوهَّم في قوله -تعالى-: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١] ، أنَّ ذلك يجري في كلِّ من له الأمر على المسلمين، لا يختصُّ بقرابة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك بعيد.

وذكر ابن عبد البر (٢) في هذا الموضع الحديث المتقدم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أطعم الله نبياً طُعمةً، فهي للذي يقوم من بعده» (٣) . قال: «إنهم استدلوا به على ذلك» ، وضعَّف الحديث، وهو مع ذلك لو لم يكن كذلك، فليس فيه من مَعنى ما ذَهبوا إليه من القرابة شيءٌ. بلى! إنما كان يدل إذا كان صحيحاً على مذهب من رأى سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - للإمام بعده، وأما (٤) في هذا؛ فبعيد.

وقولٌ ثالث: إن سهم ذي القربى، وسهم النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كلاهما يجعل في الخيل، والسلاح، والعدَّة في سبيل الله، ذهبت إلى ذلك طائفة، وزعموا أنه كذلك كان الأمر فيهما في خلافة أبي بكر، وعمر، لما اختلفوا فيهما بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، اجتمع رأيهم على ذلك (٥) .

وقولٌ رابع -وهو ما قد ذكر من مذهب أبي حنيفة-: أن يُردَّ سهمُ النبي - صلى الله عليه وسلم -،


(١) ذكر ابن عبد البر في «الاستذكار» (١٤/١٨٩) ، أن هذا قول الحسن البصري. وذكر أن مذهب قتادة كمذهب الشافعي أنه لبني هاشم وبني المطلب خاصة، دون سائر قرابة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد مضى ذكره.
(٢) في «الاستذكار» (١٤/١٨٩-١٩٠) . وقد نقل عنه المصنف جميع أقوال العلماء المتقدمة، واختلافهم في ذلك.
(٣) مضى تخريجه، وهو صحيح، لا كما قال ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-.
وذكرنا هناك أن سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - للإمام بعده، من حيث التصرف به، فينفقه كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينفقه في مصالح المسلمين، ولا يدخل فيه سهم ذوي القربى.
(٤) كتب الناسخ في هامش نسخته: «في الأصل: ورأما» .
(٥) وقد مضى ذكر من ذهب إلى هذا القول في قسم سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته، وأن مذهب المالكية أن ذلك إلى الإمام، يصرفه إلى المصالح، ويعطي القرابة بحسب اجتهاده.

<<  <   >  >>