للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا نصٌّ في ذلك. ولأبي حنيفة وأصحابه في ذلك تأويلات ليس هذا موضع النظر فيها، وربما تعلَّقوا فيما ذهبوا إليه برواية لا تثبت، وأقيسة فاسدة (١) .

قال ابن المنذر: لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر يعارض ما ثبت من قوله: «لا يقتل مؤمن بكافر» . وكان مما احتج به الشافعي عليه من طريق النظر: أنه لا خلاف في أن المسلم لا يقتل بالحربي المستأمن، فكذلك الذمي؛ لأنهما في تحريم القتل سواء. وأما قول مالك في أنه يقتل المسلم إذا قتله غِيلَةً؛ فيأتي (٢) عليه عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقتل مؤمن بكافر» .

فالأرجح: أنه لا يقتل؛ للأدلة المتقدمة؛ ولأنه لم يأت في ذلك تخصيصُ غِيلَةٍ ولا غيرها، وليس حمله على حكم المحارب بشيء؛ لأنَّ المحارِبَ له شروط لا يستحق اسمَ الحرابة إلا بوجودها، وهذا لم يوجد ذلك منه، فلم يكن له حكم المحارِب، وقد كان يلزم من جَعَلَ له حكم المحارب -وكان من مذهبه التخيير في عقوبات المحارب- أن يجيز ذلك منه، وهو ما لا يقول به.

فإن قيل: لا يكون التخيير في محارب قتل في حرابته؛ لأنه يُقتل باتفاق؛ فسقط ما عداه! قيل: الساقط بانحتام القتل شيئان: القطع والنَّفي، فيبقى التخيير بين القتل والصلب، وذلك يلزمهم لا محالة (٣) .


(١) ومن جملة تأويلاتهم: استدلالهم بقول الله {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] قالوا: فهذا من غير تفصيل بين المسلم والذمي.
ومنها: استدلالهم بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أقاد مسلماً بذميّ.
قالوا: هذا نص.
قلت: أما الآية، فإن هذا مما كتبه الله -عز وجل- في التوراة، ولا يلزمنا شرائع من قبل نبينا - صلى الله عليه وسلم -.
وأما الحديث فضعيف، لا تقوم به حجة. وانظر: «نصب الراية» (٤/٣٣٥، ٣٣٦) .
وقد ذكر ابن حزم -رحمه الله- في «المحلّى» (١٠/٣٥٠- وما بعدها) جميع استدلالات الحنفية النقلية والعقلية، وردّ عليهم بكلام نفيسٍ غايةً. فانظره هناك.
(٢) كذا في الأصل والمنسوخ، وتحتمل: «فيأبى» .
(٣) قال ابن حزم في «المحلى» (١٠/٣٥٠) في قول المالكية، أنهم يقتلون المسلم بالذمي =

<<  <   >  >>