للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا تقرر أن المسلم لا يقتل بالذمي، فلا خلاف في أن فعله ذلك كبيرة من الكبائر.

خرّج البخاري (١) ، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قتل معاهداً لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً» .

وأوجب العلماء الذين لم يروا قتل المسلم بالذمي على قاتله المسلم دِيَّتَه، واختُلِف في دِيّتِه؛ فقال قوم: دية الكافر المعاهد إذا وجبت كدية المسلم سواء، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه (٢) ، وقاله الشعبي والنخعي وسفيان (٣) ، وسواء كان


= للحرابة. قال: «أنتم لا تقولون بالترتيب في حدِّ الحرابة، ولو قلتموه لكنتم متناقضين -أيضاً-؛ لأنه لا خلاف بين أحدٍ ممَّن قال بالترتيب في أنه لا يُقتل المحارب إن قتل في حرابة من لا يُقتل به إن قتله في غير الحرابة، وأنتم لا تقتلون المسلم بالذمي في غير الحرابة، فظهر فساد هذا التقسيم بيقين.
وأما المشهور من قول المالكيين أنهم يقولون بتخيير الإمام في قتل المحارب أو صلبه أو قطعه أو نفيه، فمن أين أوجبوا قتل المسلم بالذمي -ولا بُدَّ- في الحرابة، وتركوا قولهم في تخيير الإمام فيه، فوضح فساد قولهم بيقين لا إشكال فيه، وأنه لا حجَّة لهم أصلاً. وبالله تعالى التوفيق» ا. هـ كلامه -رحمه الله-.
(١) في «صحيحه» في كتاب الجزية والموادعة (باب إثم من قتلَ معاهداً بغير جُرم) (رقم ٣١٦٦) ، وأخرجه في كتاب الديات (باب إثم من قتل ذِميّاً بغير جرم) (رقم ٦٩١٤) .
(٢) انظر: «مختصر الطحاوي» (٢٤٠) ، «القدوري» (٩٠) ، «اللباب» (٣/١٥٤) ، «مختصر اختلاف العلماء» (٥/١٥٥ المسألة رقم ٢٢٧٠) ، «الهداية» (٤/١٧٨) ، «المبسوط» (٢٦/٨٤) ، «بدائع الصنائع» (١٠/٤٦٦٤) ، «الدرر الحكام» (٢/١٠٤) ، «الجوهر النقي» (٨/١٠٣) ، «تحفة الفقهاء» (٣/ ١٥٥) ، «روضة القضاة» (٣/١١٧٠) ، «النتف في الفتاوى» (٢/٦٧٠-٦٧١) ، «أدب القضاء» (ص ٤٢٧) ، «رؤوس المسائل» (٤٧٥) .
(٣) وهذا مذهب الزهري - كما سيأتي-، وروي عن عليٍّ وابن مسعود.
وذكر ابن قدامة في «المغني» (١٢/٥١-٥٢) أنه مذهب علقمة ومجاهد، وروي عن عمر وعثمان وابن مسعود ومعاوية.
قال: وقال ابن عبد البر: هو قول سعيد بن المسيب والزهري.
انظر: «مصنف عبد الرزاق» (١٠/٩٤-٩٨) ، «سنن الدارقطني» (٣/١٢٩) ، «جامع الترمذي» (تحت رقم ١٤١٣/م) ، «أحكام القرآن» للجصاص (٢/٢٣٨) ، «تفسير القرطبي» (٥/٣٢٧) ، «شرح السنة» (١٠/٢٠٤) ، «أحكام أهل الذمة» (٢/٦١) ، «نيل الأوطار» (٧/٢٢٢) .

<<  <   >  >>