للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذهب قوم إلى التفريق بين أن يظفر بعسكرهم، ولهم فئة يلجؤون إليها أو لا تكون لهم فئة؛ فمن تاب منهم، رُدَّ إليه ما عُرف أنه له من مالٍ وسلاح وكُراع، دون من كانت له فئة وأَصَرَّ على أمره، وأظنه قول أصحاب الرأي (١) ، قال أبو محمد


= مطالبه من جهة إدخال الشبه في المحكمات بسبب اعتبار المتشابهات؛ فشارك أهل الهوى في دخول الهوى في نحلته، وشارك أهل الحق في أنه لا يقبل إلا ما دل عليه الدليل على الجملة.
وأيضاً؛ فقد ظهر منهم اتحاد القصد مع أهل السنة على الجملة في مطلب واحد، وهو الانتساب إلى الشريعة، ومن أشد مسائل الخلاف مثلاً مسألة إثبات الصفات، حيث نفاها من نفاها؛ فإنا إذا نظرنا إلى مقاصد الفريقين وجدنا كل واحدٍ منهما حائماً حول حمى التنزيه ونفي النقائص وسمات الحدوث، وهو مطلوب الأدلة، وإنما وقع اختلافهم في الطريق، وذلك لا يخل بهذا القصد في الطرفين معاً؛ فحصل في هذا الخلاف الشبه الواقع بينه وبين الخلاف الواقع في الفروع.
وأيضاً؛ فقد يعرض الدليل على المخالف منهم؛ فيرجع إلى الوفاق لظهوره عنده، كما رجع من الحرورية الخارجين على عليّ -رضي الله عنه- ألفان، وإن كان الغالب عدم الرجوع، كما تقدم في أن المبتدع ليس له توبة» . ا. هـ
وقرر شيخ الإسلام ابن تيمية نحو هذا في «منهاج السنة النبوية» (٣/١٩- وما بعدها) ، وفي «الردّ على البكري» (ص ٢٥٦-٢٦٠) ، و «مجموعة الرسائل والمسائل» (٥/١٩٩-٢٠٤) ؛ فانظر كلامه فإنه من النفائس، وقلّما تعثر على مثله-بالاستطراد والتأصيل والتقعيد- في غيره.
وهذا -أعني: عدم التكفير- ما نَحَى إليه جماهير العلماء والباحثين؛ كما تراه في «الاقتصاد في الاعتقاد» (الباب الرابع: بيان من يجب تكفيره من الفرق) للغزالي، «أصول الدين» للبغدادي (ص ٣٣٢-٣٣٣) ، «فتح الباري» (١٢/٢٨٣-٣٠٢) ، و «شرح مشكاة المصابيح» (١/١٤٧-١٤٨) للشيخ علي القاري، و «حديث افتراق الأمة» للصنعاني.
(١) مذهب الحنفية في أموال أهل البغي من سلاح وكراع، أنه: يجوز الاستعانة بها على حربهم، فإذا وضعت الحرب أوزارها؛ رُدَّت إليهم، على ما ذكره المصنف في التفريق بين من كانت لهم فئة يلجؤون إليها، ومن لم تكن لهم.
انظر: «تحفة الفقهاء» (٣/٣١٣) ، «اللباب» (٤/١٥٥) ، «الهداية» (٢/٤٦٥) ، «البناية» (٥/٨٩٦) ، «بدائع الصنائع» (٧/١٤١) ، «إعلاء السنن» (١٢/٦٣١-٦٣٢) .
وهذا مذهب المالكية، انظر: «جامع الأمهات» (ص ٥١٢) ، «عقد الجواهر الثمينة» (٣/ ٢٩٥) ، «الذخيرة» (١٢/١١-١٢) ، «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٤/٣٠٠) .
ونقل ابن حزم في «المحلّى» (١١/١٠٢) عن مالك أن مذهبه كمذهب الشافعي، وهذا خطأ على مالك.

<<  <   >  >>