للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهل الكفر، واستدل من ذهبَ إلى ذلك بما تضمَّنتهُ ظواهر الآثار في شأنهم، وأنهم: «لا يجاوز إيمانهم حناجرهم» ، وأنهم: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» (١) ، وأنهم: «شرُّ الخليقة» (٢) ، إلى غير ذلك مما ورَدَ فيهم، مما ظاهره التكفير (٣) ، وفرقوا بينهم وبين غيرهم من أهل البغي.


= وقد ردَّ كلامهما ابن حزم، انظر: «المحلَّى» (١١/١٠٢، ١٠٣) .
وقال ابن المنذر في «الإشراف» (٢/٣٩٣) عن هذا المذهب: هذا قول طائفة من أهل الحديث، ولا أعلم أحداً وافقهم على هذه المقالة.
(١) مضى تخريجه بالتفصيل (ص ٦٥٤) .
(٢) أحاديث ذكر الخوارج وصفاتهم كثيرة مشتهرة، والصفات المذكورة في «الصحيحين» . انظر -على سبيل المثال-: «صحيح البخاري» (الأرقام ٣١٣٨، ٣٣٤٤، ٣٦١٠، ٣٦١١، ٤٣٥١، ٤٦٦٧، ٥٠٥٧، ٦١٦٣، ٦٩٣٠، ٦٩٣١، ٦٩٣٣، ٦٩٣٤، ٧٤٣٢) . و «صحيح مسلم» (الأرقام ١٠٦٣-١٠٦٨) .
(٣) وقد فصَّل تفصيلاً حسناً، وجمع بين النصوص التي فيها ذكر الخوارج، وأنهم شر الخلق والخليقة، والنصوص التي فيها تحريم دم ومال المسلم، وكذا الآيات التي فيها ذكر البغاة: ابن حزم في «المحلّى» (١١/١٠٤-١٠٥) . فانظره هناك. والله الموفق.
أما بالنسبة إلى تكفيرهم، فالأصل عدمه، ما لم يقم برهان واضح على ذلك. فمن وصل منهم إلى إنكارِ مُجْمَعٍ عليه معلوم من الدين بالضرورة، كمن يقول ببعث نبيّ، أو ينكر سورة يوسف، فهو كافر، وذهب غير واحد من المحققين إلى هذا، قال الشاطبي في «الموافقات» (٥/١٧٥- بتحقيقي) : «ليس في النصوص الشرعية ما يدل دلالة قطعية على خروجهم عن الإسلام، والأصل بقاؤه حتى يدل دليل على خلافه» ، وأكده بمؤيِّدات، وتعرض للمسألة في كتابه العظيم «الاعتصام» (٣/١٥١، ١٧٩) ، وأيده بعمل السلف، قال (٣/١٥١) : «وقد اختلفت الأمة في تكفير هؤلاء الفرق أصحاب البدع العظمى، ولكن الذي يقوى في النظر وبحسب الأثر عدم القطع بتكفيرهم، والدليل عليه عمل السلف الصالح فيهم» ، ثم ذكر صنع عليٍّ في الخوارج، وكونه عاملهم في قتالهم معاملة أهل الإسلام، وكذا هجر السلف لِمَعْبَدٍ القدَري، ولم يقيموا عليه حدّ الردة، وصنيع عمر بن عبد العزيز مع الحرورية.
ثم قال (٢/٦٩٥- ط. ابن عفان) : «ومن جهة النظر: إنا وإن قلنا: إنهم متبعون للهوى ولِمَا تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله؛ فإنهم ليسوا بمتبعين للهوى بإطلاق، ولا متبعين لما تشابه من الكتاب من كل وجه، ولو فرضناهم كذلك لكانوا كفاراً؛ إذ لا يتأتى ذلك من آخذٍ في الشريعة إلا مع ردّ محكماتها عناداً، وهو كفر، وأما من صدّق بالشريعة ومن جاء بها وبلغ فيها مبلغاً يظن به أنه متّبع للدليل، فمثله لا يقال فيه: إنه صاحب هوى بإطلاق، بل هو متبع للشرع في نظره، لكن بحيث يزاحمه الهوى في =

<<  <   >  >>