المحرم في الإيرادات أصلا إذ لا يمكن إخراج نظيرها من كل وجه - فالصواب ـ والله أعلم ـ أن هذا الاعتراض اعتراض ضعيف مخالف لقاعدة الشريعة المستقرة في الأموال والأعيان المختلطة؛ فإن الشارع إذا اجتمع الحلال والحرام لم يحكم بتحريم الجميع؛ بل يأمر بإخراج قدر المال المحرم بما يغلب الظن إخراجه به.
ولذلك فإن كثيرا من المحققين ذهبوا إلى أنه إذا اختلط معقود عليه مشروع بمعقود عليه فاسد في عقد واحد لم يمنع الجميع باعتبار أن العقد شائع فيهما؛ بل ذهبوا إلى القول بتفريق الصفقة، كما روى الشيخان (١) أن البراء بن عازب اشترى هو وشريكه شيئا يدا بيد ونسيئة، قال: وسألنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال:«ما كان يدا بيد فخذوه، وما كان نسيئة فذروه».
فأرشدهما النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تفريق الصفقة بإمضاء المال الصحيح وترك المال الفاسد، ولم يحكم بشيوع الصفقة في المعقود عليه جميعه، ويقول الفقيه ابن القيم تعليقا على هذا الحديث:(وهو صريح في تفريق الصفقة ....).
ويجاب: بأن هذا الاعتراض غير صحيح كما ذكر الأخ الباحث، والاعتراض إنما هو في بيان معنى الشيوع وتأثيره؛ فمعنى الشيوع:
أن الاستثمار المحرم مؤثر فيهما معا لاختلاطهما على وجه لا يمكن التمييز فيه؛ فأثر الحرام في مال الشريك ظاهر يؤكده أن الفوائد على القروض التي على الشركة تدفع من مجموع هذه الأموال، ولو خسرت الشركة خسارة فادحة لسددت الفوائد الربوية والقروض الربوية من أموال المساهمين، وهذا بيِّنٌ وظاهر، وهذا معنى تأثر شيوع المالين.
(١) أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب التجارة في البر رقم ١٩٥٥، ٢/ ٢٧٦، ومسلم في صحيحه في كتاب المساقاة باب النهي عن بيع الورق بالذهب دينا رقم ١٥٨٩، ٣/ ١٢١٢.