قال بعض الشيوخ: واستمر العمل بذلك في مسجد يحيى بعد موته، وإذا قلنا بأنه فضيلة فلا سجود له كسائر الفضائل فإن سجد له بطلت صلاته قاله أشهب حكاه ابن رشد ومثله للطليطي، وإذا قلنا بالسنة فنص علي بن زياد على أنه إن لم يسجد بطلت، وهو قائل بذلك في كل سنة، وقال بعض المتأخرين: من أراد أن يخرج من الخلاف فليسجد بعد السلام وبه أفتى بعض من لقيته غير ما مرة ونص ابن الحاجب على أنه لا بأس برفع يديه في دعاء القنوت.
قلت وظاهر المدونة خلافه قال فيها: ولا يرفع يديه إلا في الافتتاح شيئا خفيفا والمشهور أنه لا يكبر له قبل، وروى علي أن مالكا كبر حين قنت، واختلف ما الأفضل في محله فقيل قبل الركوع أفضل.
وقال ابن حبيب: بعده أفضل وهو ظاهر كلام الشيخ، وفي المدونة والقنوت في الصبح قبل الركوع وبعده واسع والذي أخذ به مالك في خاصته قبل.
(والقنوت اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد):
ما ذكره مثله في المدونة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر القاضي عبد الوهاب في تلقينه هذا الدعاء من أوله إلى نحفد وزاد اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، ولا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت.
قال ابن عبد السلام: واختار ابن شعبان الجمع بينهما مع زيادة الدعاء على الكفار والدعاء للمسلمين، ومعنى نستعينك أي نطلب منك العون، ونستغفرك: أي نطلب منك المغفرة، ونؤمن بك: أي نصدق بوجودك ونخنع أي نخضع، ونخلع: أي ربقة الكفر من أعناقنا، ونترك من يكفرك: أي لا نحب دينه ولا يعترض على هذا بإباحة نكاح الكتابية لكوننا إذا تزوجناها ملنا إليها لأن النكاح في باب المعاملات، والمراد هنا كما تقدم إنما هو بعض الدين وحكاية البهلول بن راشد المذكور في المدارك وغيرها، إنما خرج ذلك منه على طريق الورع ولولا الإطالة لذكرناها وتقديم المفعول في قوله إياك نعبد إشارة للحصر أي لا نعبد إلا إياك، وعطف السجود على الصلاة لأنه مخها ومعنى نحفد أي نخدم بسرعة وقوله نرجو رحمتك، ونخاف عذابك