الحاجب وأن العطف إنما وقع في كونه لا يقصر، وذلك أعم من التحريم والكراهة.
وظاهر كلام الشيخ أن القصر فرض وهو قول القاضي اسماعيل وسحنون وابن الجهم قائلا ورواه أشهب وعمر وابن رشد فهمه من رواية أشهب، ولولا الإطالة لذكرناه، وقيل القصر سنة رواه ابن خويز منداد وأبو مصعب، وقال عياض في الإكمال هو المشهور من مذهب مالك وأكثر أصحابه وأكثر العلماء من السلف والخلف، وقيل مستحب وقيل مباح وعزه عياض لعامة أصحابنا البغداديين وعزا الاستحباب للأبهري.
وما ذكره الشيخ من أن المعتبر في المسافة ثمانية وأربعون ميلا هو المشهور وسمع أشهب خمسة وأربعين ميلا وروى أبو قرة اثنان وأربعون ميلا، وفي المبسوط أربعون ونقل ابن عطية عن المذهب قولين آخرين وهما ثلاثون وستة وثلاثون ذكر ذلك عند تكلمه على معنى قوله تبارك وتعالى (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)[البقرة: ١٨٤].
وروي عن مالك اعتبار مسافة يومين، وروي يوم وليلة، وفي المبسوط في البحر يوم فذكر المازري أنه رد الثالث للثاني لأن حركة البحر أسرع والثاني للأول لأن الليلة بدل اليوم الثاني، والكل للأول المشهور وهو ثمانية وأربعون ميلا لأنه السير المعتاد، وقال عياض حمل الأكثرون ذلك على الخلاف والميل ألفا ذراع قاله ابن حبيب، وقال ابن عبد البر الأصح ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع.
(ولا يقصر حتى يجاوز بيوت المصر وتصير خلفه ليس بين يديه ولا بحذائه منها شيء):
ظاهر كلامه سواء كان الموضع موضع جمعة أم لا وهو كذلك في القول المشهور، وقيل إن كان الموضع موضع جمعة فلا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال قاله مطرف وابن الماجشون، قال ابن عبد السلام: وله حظ في النظر لأن حقيقة السفر واحدة فالمسقط للجمعة وهو سبب القصر فكما أن ما دون ثلاثة أميال لا يسقط الجمعة فكذلك لا أثر له هنا، قلت وعزا الباجي والمازري هذا القول لرواية مطرف وابن الماجشون لا لقولهما وحمله ابن رشد على التفسير والأكثرون على الخلاف، وقيل باعتبار ثلاثة أميال سواء كان الموضع موضع جمعة أم لا نقله القاضي سند عن مالك وهو ظاهر كلام ابن الحاجب، فإن قلت إنما حكاه ابن الجلاب بلفظ قد قيل ولم يعزه لمالك فلعله لغيره.