قلت: ورده بعض شيوخنا بنقل ابن حبيب كان إذا رقي صلى الله عليه وسلم المنبر أذن ثلاثة مرتبا على المنار فلما كثر الناس أمر عثمان بأذان الزوال بالزوراء؛ فإذا خرج أذن ثلاثة ثم نقل هشام أذان الزوراء للمنار والثلاثة بين يديه، وما قاله شيخنا ضعيف لما قد علمت من اضطراب أهل العلم في رواية ابن حبيب للاحاديث هل هي ضعيفة أم لا حسبما هو مذكور في المدارك، والاتفاق على أنه ثبت في نقل فروع المذهب.
وظاهر كلام الشيخ أن السعي يجب عند سماع المؤذن الأول واختلف فيها فقهاء بجاية من المتأخرين حسبما أخبرني بذلك بعض من لقيته من التونسيين فقال جماعة منهم بذلك، وقال آخرون إنما يجب السعي عند سماع الثالث، والصواب عندي أن اختلافهم إنما هو خلاف في حال فمن كان مكانه بعيدا جدا بحيث يعلم أنه إن لم يسمع نداء المؤذن الأول فاتته الصلاة، وجب عليه حيئنذ وإن كان قريبا فلا يجب عليه حينئذ، وكذلك لو كان مكانه بعيدا جدا فإنه يجب عليه بمقدار ما إذا وصل حانت الصلاة إن كان ثم من يخضر الخطبة غيره ممن يكتفي بهم.
(ويحرم حينئذ البيع وكل ما يشغل عن السعي إليها):
هذا مخصوص بشراء الماء لمن انتقض وضوءه وقت النداء فلم يجد الماء إلا بثمن نص عليه أبو محمد ونقله عبد الحق في النكت وابن يونس وبه الفتوى ولم يحفظه غيره في المذهب، وهو ظاهر في أن صاحب الماء لا يجوز له بيعه وإنما الرخصة في ذلك للمشتري المذكور، وبه أفتى بعض من لقيته. واختلف إذا وقع البيع على ثلاثة أقوال: ففي المدونة يفسخ وفي المجموع عن مالك البيع ماض وليستغفر الله، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، وقال ابن الماجشون بالأول في حق من اعتاد ذلك وبالثاني فيمن لم يعتده وهذا كله إذا كان المتبايعان، أو إحدهما ممن تلزمه الجمعة.
وإذا فرعنا على مذهب المدونة وهو المشهور فإن يفسخ ما دام قائما اتفاقا فإن فات بتغير سوق فأعلى فإنه يمضي بالقيمة كسائر البيوع الفاسدة وقيل يمضي بالثمن قاله المغيرة وسحنون واختاره اللخمي، واحتج له ابن عبدوس بأن فساده في عقده فإذا فات فيمضي بالمسمى كنكاح فساده في عقده، وعلى الأول فقال ابن القاسم تعتبر القيمة حين البيع وقال أشهب بعد الصلاة، وقيل يوم الحكم نقله ابن عبد السلام عن بعض المفسرين عن أصبغ، واختلف إذا وقع ما يتكرر وقوعه كالنكاح والإجازة والصدقة فقال ابن القاسم لا يفسخ واختاره ابن بكير، وقال الأبهري والقاضي عبد