للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ولا يعارض قول المدونة في نفقة العامل قول جهادها ما فضل عنه بعد أن رجع إلى بلده من طعام أخذه من الغنيمة بغير إذن الإمام يأكل القليل، ويتصدق بالكثير؛ لأن طالبها هنا معين، وفي الجهاد غير معين، ونبه على هذا بعض شيوخنا وهو جلي واضح.

(ولا يقسمان الربح حتى ينض رأس المال):

ظاهر كلامه وإن رضيا بذلك، ونص ابن الجلاب على أنهما لو تفاصلا بغير حضرة المال ثم حضر المال وفيه وضيعة فإنه يرد ما أخذ إليه ويجبر به النقص، ونقل ابن حبيب مثله عن ابن القاسم، ونقل عن مالك وأصحابه أنه قراض مؤتنف، واختاره.

قال ابن عبد السلام: واختار غير واحد من المتقدمين والمتأخيرن نقل ابن حبيب، وهو ظاهر الموطأ، وقال بعض شيوخنا ما ذكره عن غير واحد لا أعرفه ومشاهير مؤلفي المذهب كابن يونس واللخمي والتونسي وابن رشد، ونحوهم ليس لهم في ذلك نص وكذلك ما ذكره عن الموطأ، لأن الذي في الموطأ قال مالك: لا يجوز للمتقارضين أن يتحاسبا ويتفاصلا، والمال غائب عنهما حتى يحضر المال فسيتوفي صاحب المال رأس ماله ثم يقتسمان الربح على شرطهما.

(والمساقاة جائزة في الأصول على ما تراضيا عليه من الإجزاء):

قال ابن رشد: المساقاة عبارة عن العمل في الحائط بجزء من ثمرته، وانتقده بعض شيوخنا بأن كلامه غير مانع لأنها لا تنعقد بلفظ الإجارة عند ابن القاسم خلافًا لسحنون، وإذا وقعت كذلك يحكم فيها بالإجارة الفاسدة لا بالمساقاة الفاسدة، وبأنه غير جامع؛ لأن كلامه يقتضي أنها لا تلزم إلا بالعمل، وليس كذلك بل تلزم بالعقد.

قلت: وفي النقض عليه بهذه الصورة نظر، وينقض عليه أيضًا بقول المدونة: لا بأس بالمساقاة على أن كل الثمرة للعامل، وكذلك ينتقض عليه أيضًا بقول المؤلف على ما تراضيا عليه من الإجزاء، والله أعلم.

وقال ابن عبد السلام: لم يعرفها ابن الحاجب؛ لأن رسمه للقراض بأنه إجارة على التجر في المال بجزء من ربحه دل على رسم المساقاة فإنها إجازة على عمل الحائط بجزء من غلته، وهي كالمعلومة ضرورة عند الفقهاء، ورده بعض شيوخنا بأنه لو كان كما قال لدل عليه القراض إما مطابقة أو تضمنا أو التزامًا، ولا خفاء بنفي الأولين؛ لأن رسم القراض ليس نفس المساقاة، ولا جزءاً منه وكذلك الثالث ضرورة أن رسم المساقاة بما قال ليس من لوازم القراض لا ذهنيا ولا خارجيا إلا أن يريد الدلالة

<<  <  ج: ص:  >  >>