قال في المدونة: وإذا بنى قوم في دار حبست عليهم ثم مات أحدهم فأراد ورثته بيع نصيبه من البناء فلإخوته فيه الشفعة، وهي شيء استحسنته وما سمعت فيه شيئًا وخارج المدونة قول لابن المواز بأنه لا شفعة في ذلك.
واعم أن مالكاً لم يقل بالاستحسان إلا في خمس مسائل هاتان وقول قسمتها إذا أوصت الأم بالصبي ولمالها فإن كان يسيرا نحو ستين دينار فلا ينتزع من الصبي استحسنه مالك وليس بقياس والقصاص بالشاهد واليمين في كل أنملة من الإبهامين خمس من الإبل.
وسمعت شيخنا أبا مهدي عيسى رحمه الله تعالى ينقل عن أبي بكر عن العربي أنه قال في كتابه المسمى بالمحصول في أصول الفقه: أنكر الشافعي وأصحابه الاستحسان وكفروا أبا حنيفة في القول به تارة، وبدعوه تارة وبه قال مالك ولم يكن في أصحابه شديد عارضة يبرزه إلى الوجود، وقد تتبعناه في مذهبنا فألفيناه ينقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: ترك الدليل للعرف كرد الأيمان إلى العرف.
الثاني: ترك الدليل لمصلحة كتضمين الصناع، والدليل يقتضي ائتمانهم.
الثالث: ترك الدليل لإجماع الصحابة كإيجاب القيمة على من قطع ذنب بغلة القاضي.
الرابع: ترك الدليل في اليسير ورفع المشقة وإيثار التوسعة على الخلق بجواز التفاضل اليسير في المراطلة الكثيرة وإجازة بيع وصرف في اليسير.
قال أبو محمد وغيره قال ابن المواز: لو ساقي أحد الشريكين في النخل حظه منها فقال أشهب: لا شفعة لشريكه في ذلك، وأظن أن ابن القاسم يرى له الشفعة وجدته في كتاب، ولا أدري ممن سمعته.
وظاهر كلام الشيخ أنه لا شفعة في العروض وهو كذلك باتفاق عند أهل العلم ولذلك أنكروا نقل الإسفراييني من الشافعية عن مالك وجوب الشفعة فيها وفي الحيوان وقد أكثر الشيوخ الاعتذار عنه وكذلك حكي بعض الحنفية عن مالك وجوب الشفعة في السفن؛ لأنها تشبه الرباع.
قال ابن عبد السالم: وهو لا يصح نعم الشفعة في رقيق الحائط ودوايه عند أهل المذهب على أن بعض الشيوخ خرج من ذلك خلافًا كثيراً، وكذلك لا شفعة في الممر ومسيل الماء.
قال ابن عبد السلام: ولا يبعد تخريج الخلاف فيهما من الخلاف في النخلة