الثاني: قوم من اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غيره اليهود من التوراة وبدلوه من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته أعرضوا عنه وذكروا الحق.
الثالث: أنهم المسلمون إذا سمعوا الباطل لم يلتفتوا إليه.
الرابع: أنهم من أناس من أهل الكتاب لم يكونوا من اليهود ولا النصارى وكانوا على دين الله كانوا ينتظرون بعث محمد صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا به بمكة قصدوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا فكان الكفار من قريش يقولون لهم أف لكم من قوم اتبعتم غلاما كرهه قومه وهم أعلم منكم به، قاله ابن العربي في أحكامه فليت شعري كيف يقوم الدليل من هذه الآية على تحريم الملاهي والغناء.
استدل أيضا بقوله تعالى (فماذا بعد الحق إلا الضلال)[يونس: ٣٢]
وهذا كما تقدم أعني لا صراحة فيه ولا تحريم شيء بعينه حتى يكون نصا في عين المسألة المطلوبة، واستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم "وكل لهو يلهو به المؤمن باطل إلا ثلاثة، ملاعبة الرجل زوجته، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه" قال الغزالي: قلنا قوله صلى الله عليه وسلم فهو باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة وقد سلم ذلك على أن الملاهي بالنظر إلى الحبشة خارج عن هذه الثلاثة وليس بحرام بل يلحق بالمحظور غير المحظور كقوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بأحد ثلاثة" فإنه يلحق به رابع وخامس وكذلك ملاعبة زوجته فلا فائدة فيها إلا التلذذ وفي هذا دليل على أن التفرج في البساتين وسماع أصوات الطيور وأنواع الملهيات مما يلهو به الرجل لا يحرم شيء منها، وإن جاز وصفه بأنه باطل، وبالجملة فإن لأصحابنا ظواهر يستدلون لها على التحريم كما لغيرنا ظواهر يستدلون بها على الإباحة.
قال الشيخ أبو القاسم القشيري رضي الله عنه مستدلا على إباحة السماع قال الله تعالى (فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)[الزمر: ١٧، ١٨]
قال: ويقتضي قوله عز وجل التعميم والاستغراق والدليل علىه أنه مدحهم بسماع الأحسن وقال تعالى (فهم في روضة يخبرون)[الروم: ١٥]
وقال في التفسير أنه السماع قال: وأعلم أن سماع الأشعار بالأصوات الطيبة والنغم المستلذة إذا لم يقصد المستمع محظور أو لم يشتل على مذموم في الشرع ولم ينجرر في زمام هواه ولم ينخرط في سلك لهوه فمباح في الجملة، ولا خلاف أن الأشعار أنشدت بين يدي