للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨] فيكتبون حسن العمل وسيئه قيل ومباحه ثم يترك وما يؤخذ به من خواطره يعلم ذلك ريح يخرج من فيه وظاهر النصوص أن الكافر يكتب عليه الزيادة في الحجة وفي الحديث «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» قيل كاتبان بالليل وآخران بالنهار وهل يتجددان في كل يوم أم لا وأين يكونان إذا مات الإنسان قيل ومحلهما العانقان وقيل عند الشفتين والصواب في هذا كله الوقف لعدم القاطع عند المحققين والله أعلم.

وقوله: (ولا يسقط شيء من ذلك عن علم) ربهم يعين أن الكتب إنما هو لإظهار حكمته وإثبات رحمته وإلا فعلمه محيط بما كان من خلقه لا لتذكره ولا توثق إذ إنما يذكر من يجوز عليه الإغفال وإنما ينبه من يمكن منه الإهمال وكل ذلك عليه تعالى محال.

(وإن ملك الموت يقبض الأرواح بإذن ربه).

ملك الموت هو عزرائيل أحد أكابر الملائكة عليهم السلام وقد تقدم الكلام على حقيقة الملك وأنه مخلوق من نور وأعطي التشكل على ما يريد من الصور ليسوا بإناث ولا يقال فيهم ذكور ولا لهم آباء ولا أبناء ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولا يصح منهم الجهل بالله ولا بصفة من صفاته ولا حكم من أحكامه.

قال ابن العربي وقد أحياهم الله حياة واحدة ويميتهم ميتة واحدة ثم يحييهم بعد هذا فلهم حياتان وموته واحدة ومن عداهم لهم حياتان وموتتان وللآدمي أربعة حياة الميثاق وحياة التكليف وحياة القبر وحياة الحشر وقال الأشعري الموت صفة وجودية كالحياة لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: ٢] قال ولا يعرى جوهر عنها، وقال الإسفرائيني الموت بعد الحياة وتأول الخلق بالتقدير، وهو خلاف الظاهر، وقوله (الأرواح) يعني جميعها من آدمي وغيره لقوله تعالى {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وَكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: ١١] الآية وقد يعارض هذا بقوله تعالى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:٤٢] فيجاب بأن هذه إضافة حقيقية لمحققها وذلك إضافة فعل إلى مكتسب ومعنى بإذن ربه بأمره وحكمه.

(وأن خير القرون القرن الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).

<<  <  ج: ص:  >  >>