للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عُمُره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه» (١) .

أما قوله صلى الله عليه وسلم: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سَقَمك، وغَنَاءَك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغْلك، وحياتك قبل موتك» (٢) . فهو إشارة واضحة للمسلم إلى ضرورة الحرص على استثمار الأوقات حال القدرة والاستطاعة من الشباب والصحة والغنى والفراغ، وذلك قبل أن تدهمه المعوِّقات من الهرم والسقم والفقر والانشغال.

وقد كان السلف رضي الله عنهم حريصين على إشغال أوقاتهم بالصالح النافع من الأعمال، وكانوا يكرهون الكسل والبطالة، فقد أثر عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "إني لأكره أن أرى أحدكم فارغاً مُتَهْلَلاً (٣) لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة" (٤) ، كما رُوي مثله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بقوله "إني لأكره أن أرى الرجل فارغاً، لا في عمل دنيا ولا آخرة" (٥) .

وقال الشيخ يوسف القرضاوي: "الفراغ لا يبقى فراغاً أبداً، فلا بدّ له أن يُملأ بخير أو شرّ، ومن لم يشغل نفسه بالحق، شغلته نفسه بالباطل، فطوبى لمن ملأه بالخير والصلاح، وويل لمن ملأه بالشر والفساد" (٦) .

ثالثاً: المسارعة في الخيرات

مما ندب الله عزَّ وجلَّ إليه المسلمَ اكتساب الأوقات، والمسارعة في الخيرات، إذ يقول في كتابه العزيز: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (٧) ويقول سبحانه: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (٨) .


(١) الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد ٢٦٠-٣٦٠هـ، المعجم الكبير، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط٢، ١٤٠٤هـ- ١٩٨٣م، ١-٢٥، رقم الحديث (١١١) ، ج٢٠ ص٦١. والترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي، ط٢، ١٣٩٨هـ، كتاب (٣٨) ، باب (١) ، رقم الحديث (٢٤١٧) ، ج٤ ص ٦١٢، وقال هذا حديث حسن صحيح.
(٢) الحاكم، محمد بن عبد الله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ١٤١١هـ - ١٩٩٠م، ١-٤، كتاب (٤٤) ، رقم الحديث (٧٨٤٦) ، ج٤ ص ٣٤١، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه. ووافقه الذهبي.
(٣) تَهْلَلَ: اسم للباطل. انظر: (الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط٢، ١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م، باب اللام، فصل الهاء، ص ١٣٨٥.
(٤) الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمد بن عمر بن محمد ٤٦٧-٥٣٨، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ١٤١٥هـ - ١٩٩٥م، ١-٤، ج٤ ص ٧٦١.
(٥) الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد ٢٦٠-٣٦٠هـ، المعجم الكبير، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط٢، ١٤٠٤هـ - ١٩٨٣م، ١-٢٥، رقم الرواية (٨٥٣٨) ، ج٩ ص ١٠٢. والهيثمي، علي بن أبي بكر ت٨٠٧هـ، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤٠٨هـ، ١-١٠، ج ٤ ص ٦٣.
(٦) القرضاوي، يوسف، الوقت في حياة المسلم، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط٧، ١٤١٧هـ-١٩٩٧م، ص ١٥.
(٧) سورة آل عمران، الآية ١٣٣.
(٨) سورة البقرة، الآية ١٤٨.

<<  <   >  >>