للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه الدنيا دار عمل، وهي تشبه مضمار سباقٍ قد علا فيه الغبار، فمن الناس من يسارع في مضمار الشهوات والملذات، ومنهم من جمع بين الحُسنيين فهو يسابق في أعمال البر ولا ينسى نصيبه من الدنيا، وعند انجلاء الغبار يعض الظالم على يديه ندمًا، وصدق أبو العتاهية إذ يقول:

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً

ندمت على التفريط في زمن البذر (١)

وقد أدرك سلفنا رضي الله عنهم ذلك، ومصداقه قول عليٍّ رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل" (٢) .

وليحذر المسلم المثبطات عن المبادرة إلى الخيرات، وبخاصة العجز والكسل، فهما يثمران معوقات عملية تتمثل بتأجيل إنجاز المهمات، وقد حذّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم المؤمنين من ذلك، حيث كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل» (٣) .

وعليه، فإنه يتعين على كل مسلم المسارعة إلى كل مافيه صلاح دينه ودنياه، وألاّ يكون كَلاًّ على مَن سواه أو عالة على المجتمع، فقد " شبّه بعض الصالحين الفقير الذي لاحِرْفة له بالبومة الساكنة في الخراب، ليس فيها نفع لأحد" (٤) .

رابعاً: الاعتبار بمرور الأيام

ما من يوم يبزغ فجره وتطلع شمسه إلا وفيه كثير من العبر لأصحاب العقول التامة الزكية، المدركة للحكمة في تعاقب الليل والنهار، وأنهما


(١) ابن خميس، عبد الله محمد، من القائل،: أسئلة وأجوبة في الشعر، دن، الرياض، ط١، ١٤٠٦هـ - ١٩٨٦م، ج٣ ص ٦٢.
(٢) البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب (٨١) ، باب (٤) ، ص١٢٣٣.
(٣) المرجع نفسه، كتاب (٥٦) ، باب (٢٥) ، رقم الحديث (٢٨٢٣) ، ص ٥٤٥. والقشيري، مسلم بن الحجاج النيسابوري ٢٠٦-٢٦١هـ، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، دت، كتاب (٤٨) ، باب (١٥) ، رقم الحديث (٢٧٠٦) ، ج٤ ص٢٠٧٩.
(٤) المناوي، عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط، ١٣٥٦هـ، ١-٦، ج ٢ ص ٢٩١.

<<  <   >  >>