للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[الداعية: حياته وخدماته]

[الجزيرة العربية أيام ازدهاد المسلين]

...

الجزيرة العربية أيام ازدهار المسلمين

"لقد شاهدت الصحراء العربية آلافا من تقلبات الليل والنهار، ولكن لم تكن هناك حادثة أهم من هذه الحادثة، حيث بهرت هذه الرمال المظلمة عيون العالم بأجمعه بعدما استنارت بنور شمس ساطعة (أي البعثة النبوية) ، وأقامت معالم النور في جميع أنحاء الدنيا، ولكن بمجرد ما فرغت من تنوير الجبال والصحاري، وإضاءة البر والبحر، اختفت من عيون الناس وذهب وارءها، لماذا؟

لأن الأمم التي اقتبست من هذه الأنوار زعمت أن بريقها ولألاءها لا يمكن أن يبهر عيون العالم أمام لمع هذه الرمال الصحراوية، فخير لها أن تبقى مظلمة خامدة"١ كان الحجاز قد فقد مكانته القيادية في عصر بني أمية، فقد جعله ساسة دمشق زاوية للسدنة، وأبناء المشايخ، وعلى أثر ذلك قضى سيف أبي مسلم الخراساني على نصيب العرب السياسي (١٣٢ هـ) والحكومة العباسية التي قامت على هذا الأساس تحولت إلى ملكية عجمية درجة بعد درجة.

ظهرت قوة الأتراك في عصر المعتصم (٢١٨-٢٢٧ هـ/ ٨٣٣- ٨٨٢ م) حتى اعتلوا على العرش وامتلكوا الدولة. سادت عشرات من الدويلات بعيدا وقريبا ثم بادت. ولكن الرجل العربي المسكين لم يكن له أي نصيب في هذه التقلبات. وفي عصر ازدهار المسلمين هذا أسست مدارس العلم في بغداد وقرطبة، نبعت ينابيع الرشد والهدى في جوامع الأزهر والزيتونة والقرويين، فتح الأتراك قسطنطينية، وزلزل سليمان الأعظم (٩٢٦- ٩٧٤ هـ/ ١٥٢٠- ١٥٦٦ م) أسوازفينا، دوخ المغول أرض الهند، ولكن الجمال العربي مازال يتنعم بنوم لذيذ في صحرائه.


١ السيد سليمان الندوي, مجلة معارف عدد نوفمبر سنة ١٩٢٤ م.

<<  <   >  >>