وهذا كان مبدأ فلسفتهم التي وضعها فيثاغورث، وكانوا يسمون أصحابه أصحاب العدد، وكانوا يظنون أن الأعداد المجردة موجودة خارجة عن الذهن. ثم تبين لأفلاطون وأصحابه غلط ذلك. وظنوا الماهيات المجردة كالإنسان المطلق والفرس المطلق موجودات خارج الذهن وأنها أزلية أبدية ثم تبين لأرسطو وأصحابه غلط ذلك. فقالوا بل هذه الماهيات المطلقة موجودة في الخارج مقارنة لوجود الأشخاص، ومشى من مشى من أتباع أرسطو من المتأخرين على هذا، وهو أيضًا غلط. فإن ما في الخارج ليس بكلي أصلًا، وليس في الخارج إلا ما هو كلي في الذهن يوجد في الخارج، لكن إذا وجد في الخارج، لا يكون إلا معينًا، لا يكون كليًا، فكونه كليًا مشروط بكونه في الذهن، ومن أثبت ماهية لا في الذهن ولا في الخارج فتصور قوله تصورًا تامًا، يكفي في العلم بفساد قوله، وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أن هذا العلم وهو الذي تقوم عليه براهين صادقة، لكن لا تكمل بذلك نفس ولا تنجو به من عذاب ولا تنال به سعادة. ولهذا قال أبو حامد الغزالي وغيره في علوم هؤلاء: هي بين علوم صادقة لا منفعة فيها، ونعوذ بالله من علم لا ينفع، وبين ظنون كاذبة لا ثقة بها، وإن بعض الظن إثم، يشيرون بالأولى إلى العلوم الرياضية، وبالثاني إلى ما يقولونه في الآلهيات وفي أحكام النجوم ونحو ذلك. لكن تلتذ النفس بذلك كما تلتذ بغير ذلك، فإن الإنسان يلتذ بعلم ما لم يكن علمه، وسماع ما لم يكن سمعه، إذا لم يكن مشغولًا عن ذلك بما هو أهم عنده منه، كما قد يلتذ بأنواع من الأفعال التي هي من جنس اللهو واللعب. وأيضًا ففي الإدمان على معرفة ذلك تعتاد